«الاتجــــار في البشـــر» يتسلل إلى ضحاياه من مواقع التواصــــل الاجتماعي

أكد مسؤولون في دوائر مختلفة معنية بمكافحة الاتجار في البشر بالدولة، أن معظم المتورطين في جريمة الاتجار في البشر ينصبون مصائدهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لافتين إلى ضرورة تكاتف الجهود على المستوى الدولي، من أجل تحقيق نتائج ملموسة في ما يخص مكافحة هذه الجريمة.

وأكدوا، خلال تنظيم مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، أخيراً، الملتقى الثالث لمكافحة الاتجار في البشر، تحت عنوان «الارتقاء ببرامج تثقيف الفئة الأكثر عرضة للاتجار في البشر»، اتساع رقعة هذا النوع من الجرائم عالمياً، لافتين إلى ضرورة تثقيف المجتمعات بالطرق التي يعمل عليها المجرمون لاستدراج ضحاياهم.

وتفصيلاً، قالت مديرة المؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، عفراء البسطي، إن المؤسسة استقبلت 200 ضحية من حالات الاتجار في البشر، مؤكدة خطورة هذه الجريمة، وضرورة رصد الموارد المالية والبشرية لتغطية احتياجاتهم.

وأفاد مدير إدارة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، العميد أحمد بن نخيرة، بأن الاتجار في البشر مشكلة عالمية، الأمر الذي يستوجب بذل جهود شاملة، اعتماداً على معلومات سليمة ودقيقة، وتخصيص جهات للتخطيط والتنفيذ والمتابعة.

صفات الضحية

أكدت ممثلة مراكز إيواء النساء والأطفال في أبوظبي، ميثاء غانم المزروعي، وجود تشابه في الأسباب التي توقع الضحايا في شراك المتاجرين، ومنها الفقر والجهل والأمية، وانعدام فرص العمل في البلد الأم، وعدم وجود أنظمة للضمان الاجتماعي، والافتقار إلى الآليات المساعدة على تنظيم الأسرة، وعدم إمكان التخطيط للمستقبل.

وأكدت إمكان استخلاص خصائص عامة لضحايا الاتجار، منها أن تكون الضحية منقادة ومطيعة للمتاجر الذي تقع تحت سيطرته، ما يسهل الاتجار بها، في ما يتميز المتاجر بقوة زائفة، وأداء دور المتحكم.

وتابعت «تبدو الضحية مهزوزة ومتقلبة وهشة، إذ تتأثر بالمحيط، وتفقد القدرة على المقاومة والتصدي (الآلية البشرية الضرورية لمواجهة أي خطر خارجي، أو محاولة تحكم غير مسوغة).

وأضافت المزروعي أن الاحتياطات التي يجب على الضحية اتخاذها ــ وهي في وطنها ــ التقدم للوظيفة من خلال المكاتب المرخصة، وطلب تزويدها بصورة مصدقة من عقد العمل، مترجمة إلى اللغة التي تفهمها، والتأكد من أن التأشيرة المستخرجة لها هي تأشيرة للعمل فعلاً.

وحذرت المزروعي من الأشخاص الذين يقدمون مغريات للسفر والعمل في الخارج، ويتكفلون بالمصروفات كافة، بما في ذلك تذكرة السفر واستخراج تأشيرة العمل، على أن تسدد قيمة هذه التكاليف لهم لاحقاً، داعية إلى التأكد من الإعلانات التي ترد على الإنترنت متضمنة وظائف برواتب مغرية في بلاد محددة، إذ «ربما تكون شركاً، وتقود للاتجار فيهم».

وشرح أن «تصنيف البلدان في جرائم الاتجار في البشر كالآتي: بلد المصدر 50%، بلد العبور 20%، وبلد المقصد 30%»، لافتاً إلى ضرورة تضافر الجهود والاهتمام من كل الجهات، وبشكل خاص دول المصدر، لتوعية وتثقيف الفئة الأكثر عرضة للاتجار في البشر (النساء والأطفال).

وتابع بن نخيرة أن «جهود وزارة الداخلية لنشر ثقافة مكافحة الاتجار في البشر تأتي في محاور عدة، يستهدف الأول العاملين في الوزارة بالدورات التدريبية والمطبوعات والرسائل النصية والمؤتمرات والندوات، ونشر وثيقة قواعد السلوك للعاملين في مكافحة الاتجار في البشر، فضلاً عن تدابير مراقبة المنافذ الحدودية. والثاني تنمية الوعي والثقافة المجتمعية لمواجهة الاتجار في البشر، من خلال تلقي الشكاوى والبلاغات والتعامل معها فوراً، وتوفير أرقام مجانية للتواصل مع الضحايا، وموقع وزارة الداخلية على الإنترنت. والثالث تثقيف وحماية ضحايا الاتجار في البشر والتركيز على رعايا الدول الأكثر عرضة للاتجار في البشر القادمين إلى الدولة عبر منافذ ومراكز الحدود (الجوية والبرية والبحرية) وتوزيع مطبوعات الأرقام المجانية، ونشرات حول الحقوق والواجبات الخاصة بالوافدين للتوعية من مخاطر هذه الجريمة».

وأكد بن نخيرة أن دور الشرطة بالغ الأهمية من حيث استقبال الضحية والتعامل الإنساني، وإيداعها في مراكز إيواء، والاستعانة بمترجم، وأخيراً الرعاية الطبية.

من جانبه، ذكر وكيل الوزارة المساعد لشؤون المجلس الوطني الاتحادي ومقرر اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر الدكتور سعيد محمد الغفلي، أن «الفئة الأكثر عرضة للاتجار ترد إلى الامارات عن طريق دول المصدر، ما يضع على عاتق هذه الدول اتخاذ إجراءات للعمل على وقف تدفق الضحايا» مضيفا أن كثيرات منهن يقعن في براثن الاتجار بعد تسلل مجرمين إليهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد أن اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار في البشر ستعمل جاهدة على زيادة الوعي بهذه الجرائم على المستويات كافة، في إطار تنفيذ خطتها الاستراتيجية الجديدة ذات الركائز الخمس (الوقاية، والملاحقة القضائية، والعقاب، وحماية الضحايا، وتعزيز آليات التعاون الدولي)، تماشياً مع النهج الدولي في منهج الاستراتيجيات الخاصة بمكافحة الاتجار في البشر الذي أقرته الامم المتحدة أخيراً.

وقال ممثل وزارة العمل، عيسى المزروعي، إن الفئة المستهدفة من وزارة العمل هي النساء والأحداث، العمال في أنشطة اقتصادية، مثل الصالونات ومنشآت الاسترخاء والمقاهي والفنادق، لافتاً إلى أن هناك 300 ألف منشأة في الدولة يعمل فيها أربعة ملايين و61 ألفاً و924 عاملاً، وتتم الرقابة على المنشأة عن طريق 356 مفتش عمل.

بدوره، أكد الممثل عن شرطة دبي، العقيد عبدالرحيم بن شفيع، أن أبرز التحديات التي تواجه الشرطة يتمثل في لجوء متورطين في الاتجار في البشر إلى تغيير اسم الضحية في جواز السفر، وعدم استدلال الضحية على مكان الجريمة، وصعوبة التخاطب معها، وتحفظها على تفاصيل الواقعة، التي قد تقع عبر اتصال بموقع إلكتروني، أو إضافة صديق مجهول الى قائمة الأصدقاء.

ورأى ممثل مركز الأمم المتحدة، المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي، الدكتور حاتم علي، أن جريمة الاتجار في البشر تتداخل في أكثر من نشاط إجرامي، والتحدي الأكبر هو إقناع الجهات المعنية والقضائية بأن هذه الضحية نفذت الجريمة مجبرة، مؤكداً معاملتها إنسانيا.

وتساءل: «هل توجد مؤسسة أو دار رعاية متخصصة في ضحايا الاتجار في البشر لدى فئة الرجال؟»، لافتاً إلى عدم وجود دار رعاية للرجال في الدولة، مع أن من الممكن أن يتعرض الرجل أيضاً للاتجار في البشر.

وقال ممثل عن النيابة العامة في دبي، أحمد مراد، إن جريمة الاتجار في البشر تهدد أمن واستقرار المجتمع، وتسهم في نشر الفساد فيه، ويتعين تضافر الجهود للتصدي والحد من انتشار هذه الجرائم.

وذكر مدير مركز الأمم المتحدة للتدريب والتوثيق في مجال حقوق الإنسان، الدكتور العبيد أحمد العبيد، أن الخطوات الأساسية لتطوير أي برنامج، هي تحديد احتياجات الفئات المستهدفة (الاستشارة الحقيقية للضحايا)، وتجميع المعلومات الأساسية حول الثقافة والمحاذير الاجتماعية والبرامج والمساعدات التي تم تنفيذها، ومدى فاعليتها وتوافقها مع توقعات الضحايا، إضافة إلى تحديد الفجوات الموجودة في الخدمات المقدمة.

وقالت مدير إدارة البرامج والبحوث في مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال، بدرية يوسف الفارسي، إن المؤسسة تعمل بشكل مستمر لمعرفة الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية للضحايا، والعوامل التي أسهمت في إغرائهن بالقدوم إلى الإمارات، ومعرفة أنماط وأشكال العنف التي يمارسها الجناة لإخضاعهن للاستغلال الجنسي، وأثر الضرر الإجرامي عليهن، إضافة إلى معرفة أبرز المشكلات التي تواجهها الضحية في مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال.

وأكدت أن الآثار المترتبة على استغلال الضحايا تشمل الجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، مشيرة إلى خطورتها على المجتمع.

الأكثر مشاركة