«السبّ» وسيـلة للــربـح السريع عبر شبكات التواصل الاجتماعي
لم يعد الصيد في الماء العكر أسلوباً عبثياً لتحقيق الأهداف، فقد وجد فيه البعض وسيلة جديدة لكسب المال، عبر ما يمكن أن يسمى «التربح بالسب». ويبدأ هذا النوع من الأشخاص بالتصرف بطريقة معينة، عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، محاولاً استفزاز ضحيته، ثم ينتظر رد فعله لاستغلالها في ابتزازه، مقابل عدم فتح بلاغ ضده، وتهديده بالحبس أو الغرامة، وربما الإبعاد.
ما سبق يمثل واقعاً لنماذج قضايا تتداولها المحاكم، ويوضح ملابساتها لـ«الإمارات اليوم» الخبير بالجرائم الإلكترونية، المستشار الدكتور خالد علي الجنيبي، مؤكداً أن هذه الجرائم ترتكب خلال ثانية واحدة عبر منصات التواصل الاجتماعي: «تويتر» و«فيس بوك» و«واتس أب» و«إنستغرام».
وأضاف أن هذا النمط من الجرائم متكرر بشكل لافت، ونظرت المحاكم كثيراً من القضايا التي حوّلت حياة أصحابها إلى كوابيس بسبب كلمة، ربما كانت مقبولة سابقاً، لكن في ظل سهولة توثيقها في الأجهزة الإلكترونية تحولت إلى دليل إدانة، وانتهت بحبس قائلها أو تغريمه مبالغ تصل إلى 500 ألف درهم، والإبعاد الذي كان وجوبياً قبل تغيير القانون في عام 2018.
وشرح الجنيبي أن هناك ملابسات متكررة لهذه الجرائم، تبدأ عادة بدردشة عبر إحدى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يحتد الموقف، ولا يتحكم أحد الطرفين في مشاعره، فيرتكب جريمة، خلال ثوانٍ، لافتاً إلى أن تكرار هذا النوع من الجرائم مرتبط بالإقبال الواسع على استخدام المنصات.
وأوضح أن الإبعاد كان وجوبياً في جميع جرائم تقنية المعلومات، إلى أن تضرر مستثمرون ورجال أعمال وغيرهم. وأفادوا بأنهم فقدوا أعصابهم، وتفوهوا بعبارات جرّتهم إلى المحاكم، وهم على استعداد لدفع أي مبلغ مقابل عدم إبعادهم، لأن حياتهم ومشروعاتهم وتجارتهم داخل الدولة.
وأضاف: «أعيد النظر في الإبعاد في الجنح البسيطة المرتبطة بجرائم تقنية المعلومات، ومنها السب، وصار جوازياً، لكن يظل الحبس أو الغرامة عقاباً رادعاً لمثل هذه التصرفات التي تقع في لحظة، لذا لا يجب الاستهانة بالحديث عبر منصات التواصل، وإدراك أن ما يكتب أو يقال لا يمر مرور الكرام، خصوصاً في ظل توافر سوء النية من قبل البعض».
وكشف الجنيبي عن جانب مهم في هذه القضايا، وهو استغلالها في التربح، إذ يدخل أحدهم في دردشة مع الشخص المستهدف، ويستفزه بعبارة ما، فيسبه الأخير، ليتحول إلى مجرم، بحسب القانون، فيبتزه الشخص الآخر، وربما يطلب منه تعويضاً مالياً مقابل عدم فتح بلاغ ضده وجره إلى المحاكم، لذا صارت وسيلة للمتاجرة والتربح، ولذلك يجب الحذر من الوقوع في فخ هؤلاء المبتزين.
ويؤكد الجنيبي أن «هذا الموضوع مهم، ويمس كثيراً من الأسر، إذ يتكرر عادة بين المراهقين حديثي العهد بشبكات التواصل الاجتماعي، لذا يتحتم على الآباء توعية أبنائهم بمخاطر التعامل مع تلك الشبكات، وضرورة ضبط النفس».
وقال إن «هناك جاليات تستخدم عبارات دارجة في الخطاب، لكنها غير شرعية بحكم القانون، فتكون سبباً لجرهم إلى المحاكم، وأثناء التحقيق معهم يؤكدون أنهم لم يقصدوا الإساءة، فهم يتداولون تلك الكلمات بشكل معتاد في ما بينهم. وهذه الحالات تكون محل نظر من الشرطة والنيابة والمحكمة، لكنها لا تحمي صاحبها من العقاب».
ويضيف أن «هناك فارقاً بين السب والقذف، فالأخير، بحسب القانون، إسناد واقعة للغير تجعله محلاً للعقاب، مثل وصفه بالسارق أو المحتال، أما السب فكأن ينعت الشخص بصفة مسيئة، ولا يوجد فرق في العقوبة بين الجريمتين».
ويوضح الجنيبي أن هناك قيدين مهمين في الاستدلال على جرائم السب الإلكتروني، أولاً ضرورة الإبلاغ خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من التعرض للسب، فإذا تأخر وقت الإبلاغ عن ذلك يفقد صاحبه الحق.
أما القيد الثاني فهو ضرورة أن يبلغ الشخص المجني عليه بنفسه عن الجريمة، فلا يجوز أن ينوب عنه غيره، وفي هذه الحالة توسع المشرع في منح الحق، على عكس جرائم السب التقليدية، إذ لا يشترط في السب الإلكتروني المواجهة، بل يجوز في حالة لو سب شخصاً آخر في دردشة مع ثالث، أن يبلغ المتعرض للسب عن الفاعل، حتى لو لم يوجه إليه ذلك بشكل مباشر.
يذكر أن محاكم الدولة تداولت عشرات القضايا أخيراً، بدأت ببذاءات أو شتائم بسيطة، يتداولها كثيرون بشكل اعتيادي في حياتنا اليومية، وتعتاد عليها الألسنة، بنوع من المزاح غالباً أو أثناء نوبة غضب طارئة، ثم تحولت إلى كوابيس لأصحابها بعد انتقالها من اللسان إلى شبكات التواصل الاجتماعي.
ومثل أمام المحاكم في هذه القضايا أشخاص عاديون، معظمهم لم يدخل مركز شرطة من قبل، بسبب تلك العبارات، منها حالة زوج أحيل إلى القضاء بسبب رسالة نصية وصف فيها زوجته بـ«الهبلة»، وامرأة انتقدت سلوكيات زوجها وسبت أمه في رسالة أخرى، لغضبها من رد فعله معها في أحد المواقف، فلم يحتمل، وجرها إلى القضاء.
وتعود إحدى القضايا البارزة التي نظرتها محكمة الجنايات، لطالبة خليجية، تبلغ 21 عاماً، أبلغت الشرطة ضد شقيقها الأكبر بسبب رسالة نصية بعث بها إليها، وصفها فيها بـ«الحيوانة»، وهدد بذبحها، بسبب سفرها دون استئذان الأسرة، واستئجارها شقة في دبي.
واعترف الشقيق المتهم في التحقيقات بأنه بعث لشقيقته تلك الرسائل من هاتفه، لغضبه منها بسبب سفرها دون استئذان الأسرة، واستئجارها شقة للإقامة بها في دبي، ولم يتوقع أن تجره إلى المحكمة بهذه الطريقة.
مزاح يتحول إلى إساءة
أكد المستشار خالد الجنيبي أن هناك قضايا كثيرة بدأت بمزاح بسيط، وتحولت إلى قضية في المحاكم.
وشرح أن حسم طبيعة هذا النوع من القضايا يعود إلى القاضي، إذ ينظر في الملابسات، ويحدد ما إذا كانت الإساءة مقصودة، وما حجم الأذى الذي تسببه، وفقاً لحجمها وتأثيرها.
وأضاف أن من الضروري في حال تعرض شخص لأي إساءة أن يحتفظ بالدليل على ذلك، سواء كان صورة أو عبارة، لأن الدليل شرط أساسي في إثبات الحق.
500
ألف درهم غرامة.. بسبب كلمة خلال ثانية. جريمة السب تبدأ بدردشة عبر إحدى منصات وسائل التواصل الاجتماعي.