تضحية أم تقودها إلى المحكمة بتهمة إيذاء طفلتها
خوفاً من كلام الناس والأقارب، تخفي أم مقيمة، مرض ابنتها العصبي، حيث تقوم بأفعال تؤذي جسدها، لكن جدتها لأبيها، أبلغت الشرطة، عندما اكتشفت جروحاً في عموم جسدها، الأمر الذي عرض الأم للمساءلة القانونية بتهمة إيذاء الطفلة، فيما تصر على إخفاء مرضها حتى لا يسجل في محاضر الشرطة.. فماذا تفعل؟
وتقول الأم إن طفلتها الصغيرة التي تبلغ من العمر اربع سنوات، مريضة بمرض عصبي، فتقوم بأفعال من شأنها إيذاء نفسها، ولكنها لا تؤذي غيرها، وحرصاً من الأسرة على نفسية البنت تُخفي حقيقة مرضها، وتنكره عن الناس حتى عن بقية أفراد العائلة ولا يعلم بمرض هذه البنت إلا أمها وأبوها. وتتابع أن ابنتها كانت في زيارة لجدتها من أبيها، فرأت الجدة جروحاً في عموم جسد الطفلة، فشكت أنني أقوم بضربها وإيذائها، وبدل من أن تستوضح الجدة الأمر، قامت بتقديم بلاغ للشرطة، وتم عرض البنت للكشف الطبي، والغريب أنه حتى الطبيبة التي قامت بتوقيع الكشف على البنت لم تستفسر عن التاريخ المرضي للبنت، واكتفت بوصف الحالة الظاهرة على جسد البنت من جروح، فلم تكتشف مرضها العصبي أو لم تهتم بشيء سوى الكشف الظاهري، ومن ثم قامت الشرطة بإحالتي للنيابة العامة وبانتظار عرضي على المحكمة، وأنا لم أذكر حقيقة مرض البنت خوفاً على نفسيتها وسمعتها، ربما يكتب الله لها الشفاء.
وتطلب الأم النصيحة وهل يمكن أن يصدر عليها حكم جزائي بأني اعتدي على بنتي؟ وما هي العقوبة التي يمكن أن توقعها المحكمة عليها في هذه الحالة؟ وهل تكون غرامة مالية بسيطة مثلاً فأدفعها في سبيل الحفاظ على البنت ؟ وهل يمكنني أن أطلب من المحكمة أن تكون الجلسة سرية ولا تكتب أقوالي في محضر رسمي؟
يجيب المستشار القانون الدكتور يوسف الشريف على القارئة بالقول إن الأم المسكينة تتصرف بفطرة الأم، تظن أنها تحمي ابنتها من كلام الناس أو نظرتهم لها، ولكن في الواقع إنها تضرها من دون ما تعرف، فالمرض ليس بسبة ولا عار، وإنما هو ابتلاء من عند الله لاختبار صبرنا وتحملنا على المرض، وإخفاء مرض البنت هي المرارة التي تشربها الأم الآن نتيجة تصرفها بغير حكمة، والبنت نفسها نالها من هذا المرض قسط كبير، ومازالت تعاني منه دون علاج، فهي تحتاج لعلاج لا للإنكار.
ويوجه سؤالا للأم: "انت تخافين من ان يدون في محاضر رسمية ان ابنتك مريضة، وهذا واقع سوف ينكشف حال دخولها الروضة او المدرسة، لكن لا تخافين ان تسجلي في محاضر رسمية واحكام قضائية انك مجرمة، فكري بالواقع واتركي الافلام التي علمتنا اياه من تضحيات كذابة او اجرام مبالغ فيه، لا انكر هذا ولا ذاك ولكنه ان وجد فهو استثناء وانا سوف اعتبرك من هؤلاء الاستثناء أيضا".
ومن الناحية القانونية، نصح الأم بأن تطلب طلب عرض البنت على لجنة طبية من الطب الشرعي على أن يكون من بينها طبيب متخصص في النفسية والعصبية، وشرح التاريخ المرضي للبنت، لتوفير الرعاية الصحية لهذه البنت المريضة وهذا هو عين حمايتها، ولإثبات براءة الأم من تهمة لم ترتكبها، وتستطيع الأم أن تطلب أن تكون الجلسة سرية وللمحكمة تقدير الموقف بالقبول أو الرفض، لافتا إلى أن المحاكم لا تمانع في مثل هذه الحالات ولكن في كل الأحوال لابد من إثبات ما تبدينه من أقوال باعتباره دفاع عن نفسك ستبني المحكمة على أساسه حكمها سواء اقتنعت به فتبرئك أو لم تقتنع به فتدينك". وحال لم تقتنع المحكمة بدفاعك ستكون جريمتك وفقاً لقانون حقوق الطفل المعروف بقانون وديمة والتي نصت على أنه:" يحظــر تعريــض الطفــل للتعذيــب أو الاعتداء علــى ســلامته البدنية أو إتيان أي عمل ينطوي على القســوة من شــأنه التأثير على توازن الطفل العاطفي ، أو النفسي أو العقلي أو الأخلاقي." والعقوبة المقررة من نفس القانون أنه:" يعاقــب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن خمسين ألف درهم، أو بإحدى هاتــين العقوبتين كل من خالــف حكم المادة (36) من هذا القانون. وأنه يجوز للمحكمة أن تحكم بإبعادك عن الدولة كونك وافدة وفقاً لأحكام قانون العقوبات التي نصت على أنه:" إذا حكــم علــى أجنــبي في جنايــة بعقوبــة مقيــدة للحريــة أو في الجرائم الواقعة على العرض، وجب الحكم بإبعاده عن الدولة، ويجــوز للمحكمة في مواد الجنح الأخــرى أن تأمر في حكمها بإبعاده عن الدولة، أو الحكم بالإبعاد بدلاً من الحكم عليه بالعقوبة المقيدة للحرية.
ويختتم قوله قانوناً يمكن للمحكمة أن تراعِ العلاقة التي بينك وبين البنت وعدم القصد الجنائي في ايذائها واعتبار ذلك من قبيل التأديب المتجاوز فتخفف العقوبة وإن كان هذا الأمر بعيداً إلى حد ما في ظل ما ثبت بالتقرير الطبي إلا أنه ليس بمستحيل، لذا أنصحك بالاعتراف بحقيقة مرض البنت وتقديم أدلة تفيد ذلك سواء تقارير طبية سابقة إن وجدت وشهادة الأب حتى تقتنع المحكمة وتعرض البنت على لجنة من الطب الشرعي أو تخفف العقوبة قدر المستطاع".