«الابتزاز الإلكتروني».. ضحايا «نـزوات عاطفية» في مواجهة «قراصنة فضائح»
سهّل انتشار استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة والألعاب الإلكترونية، على المبتزين اصطياد ضحاياهم، والمساس بحياتهم الخاصة. ومع زيادة التواصل الرقمي، التي فرضتها جائحة «كورونا»، شملت عمليات الابتزاز ضحايا من كل الأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية. ولا يتوانى «قراصنة الابتزاز الإلكتروني»، عقب اصطياد ضحاياهم، في تهديدهم بنشر الصور أو مقاطع الفيديو أو تسريب المكالمات التي سجلوها لهم واحتفظوا بها، ما لم يدفعوا لهم مبالغ مالية، أو يرضخوا لطلباتهم الجنسية.
وقد يتجاوز الأمر حدود هذه المطالب إلى تكليفهم بارتكاب جرائم. وتفيد دائرة القضاء في أبوظبي بأنها سجلت 1589 قضية ابتزاز إلكتروني في الإمارة، خلال الفترة من 2017، إلى سبتمبر الماضي.
ووفقاً لمختصين، فإن حالات الابتزاز ناتجة، غالباً، عن نزوات عاطفية للضحايا، مشيرين إلى أن الحالات التي لا يُبلَّغ عنها خوفاً من الفضيحة ونظرة المجتمع، لا تقلّ عن 80% من مجموع الحالات الفعلية.
ونظرت محاكم الدولة العديد من قضايا الابتزاز الإلكتروني، التي غالباً تكون الضحية فيها أنثى، إذ يصطاد الجُناة ضحاياهم من النساء والفتيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إيهامهن بالإعجاب والحب والرغبة في الارتباط. أما الرجال، فإنهم يتورطون من خلال طلبات صداقة من حسابات نسائية وهمية، أو إعلانات عن جلسات مساج.
لم تدرك (سناء)، وهي شابة في الـ20 من عمرها، حجم الضغوط التي يقع تحتها ضحايا الابتزاز، إلا بعدما تعرفت إلى شاب عبر «تويتر»، جمعتها به علاقة عاطفية، فقد أوهمها بأنه مسؤول خليجي، وأغرقها في أوهام الثراء.
وعلى وقع كلامه المعسول، ووعوده المستمرة لها بالزواج، راحت ترسل له صوراً وفيديوهات خاصة، إلا أنها اكتشفت بعد مرور بضعة شهور أنه ليس خليجياً كما قال، وأنه انتحل اسماً مغايراً لاسمه الحقيقي، كما أنه يقيم في الدولة بشكل غير قانوني، فقررت قطع علاقتها به، وطالبته بعدم الاتصال بها مرة أخرى، ولم يطل به الأمر حتى أظهر لها وجهه الحقيقي، كما تقول، إذ هددها بفضح علاقتهما، وبنشر الصور الموجودة في حوزته، للتشهير بها على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالباً إياها بتحويل أموال له، وقد رضخت لتهديده خوفاً من الفضيحة، وهو ما شجعه على الاستمرار في ابتزازها.
وقالت (سناء) إنها واصلت إرسال المال له، ولجأت إلى البنك بعدما نفدت مدخراتها، ليصل مجموع المبالغ التي حصل عليها منها إلى 700 ألف درهم. وبررت سبب سكوتها وخضوعها لابتزازه بأن الصور والفيديوهات تعكس ارتباطهما العاطفي، ولو رآها أهلها ومعارفها لحدثت فضيحة كبرى.
وعندما نفدت أموالها، ولم يتبق أمامها طريق للحصول على أموال إضافية، قررت إبلاغ الشرطة. وسرعان ما اكتشفت أن الحل كان موجوداً أمام عينيها طوال الوقت، إلا أن خجلها منعها من المحاولة، فقد قبضت الشرطة على المبتز وحولته إلى المحكمة، حيث تلقى حكماً بالحبس ثلاث سنوات، وغرامة 500 ألف درهم، إضافة إلى مصادرة الهاتف المستعمل في الجريمة، وإبعاده عن الدولة بعد تأدية العقوبة.
وفي قصة أخرى، تستعيد «ليلى» تفاصيل وقوعها في مصيدة الابتزاز من خلال شخص ادعى أن لديه قدرة على معالجة الأمراض بالأعشاب، إذ أرسلت إليه 10 آلاف درهم، ومجموعة من الصور لوصف العلاج المناسب لها. وقالت إن المبتز طالبها بإرسال صور أخرى لها حتى يتمكن من تحديد موقع الألم.
وعندما طالبها بمزيد من الأموال رفضت طلبه، فهددها بنشر الصور التي أرسلتها له من أجل العلاج، ولم تجد حلا سوى التقدم بشكوى ضده. وقالت إن الشرطة نجحت في تعقبه والقبض عليه.
أما «رغد»، فبدأت حكايتها مع الابتزاز بالقول إنها لم تكن تعرف المبتز، إلا أنه استطاع اختراق حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونسخ محادثاتها مع أصدقاء لها، وصوراً وفيديوهات خاصة من هاتفها المحمول، وهددها بإبلاغ زوجها، ونشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي إذا رفضت أن تقابله.
وقالت إن المبتز أرسل إليها صوراً من محادثات جرت بينها وبين آخرين كوسيلة ضغط لمقابلته، وإلا نشر الصور وأرسلها إلى زوجها، ولم تجد طريقة لعلاج المشكلة سوى اللجوء إلى الشرطة.
وتكشف شانا أدشي، في قصة ثالثة، عن تعرضها للابتزاز من صديق تعرفت إليه في موقع دردشة، فقد توطدت علاقتهما بعدما وعدها بالزواج. وعندما تأكدت من عدم جديته، قررت الابتعاد عنه، إلا أنه أنشأ حساباً على موقع «فيس بوك»، وحمّل صورهما ومقاطع الفيديو التي تجمعهما عليه، وكان يردد دائماً، على سبيل التهديد: «لا تغضبيني». تقول: «وضعني تحت تهديد شديد، لم أستطع تحمله، فأبلغت الشرطة في النهاية».
وفوجئ أيمن نزار بابنته، البالغة 10 سنوات، تبلغه بأن أحد الأشخاص تحدث معها عبر غرف المحادثة في إحدى الألعاب الإلكترونية الشهيرة، وطلب منها تصوير نفسها من دون ملابس، وإرسال الصور له مقابل منحها أموالاً يمكنها من خلالها زيادة نقاطها وأرصدتها في اللعبة، وتمكينها من خوض مراحل المنافسات باستعراضات أفضل، فسارع إلى إبلاغ الشرطة.
وقامت الجهات المختصة بتتبع المتصيّد والقبض عليه، ووجدت في حوزته نحو 200 صورة تعود لأكثر من 10 أطفال، كان يخطط لابتزازهم والتحرش بهم.
ولا يقتصر ضحايا الابتزاز الإلكتروني على النساء والفتيات، فقد وقع في فخاخه شباب ورجال ناضجون، من أعمار ومستويات ثقافية مختلفة. ويروي الطالب في المرحلة الثانوية (عبدالله)، وهذا اسم مستعار، قصة تعرضه لهتك عرض من مبتز، وكيف اصطاده من خلال طلب صداقة وصله على أحد مواقع الدردشة من حساب مزيف باسم فتاة.
وشرح أن الفتاة الوهمية ظلت تتودد إليه إلى أن أقنعته بإرسال صور وفيديوهات في أوضاع مخلة، ثم كشفت عن شخصيتها الحقيقية، واتضح أنها شاب عربي. وتابع أن المبتز حصل منه على مبالغ مالية، والتقاه أكثر من مرة، وتحرش به خلال وجوده معه في سيارته، بعدما هدده بنشر صوره، وفضحه.
ومع استمرار تهديده وطلب لقائه والانفراد به، قرر إبلاغ الشرطة، فقبضت عليه، ووجهت إليه تهمة ارتكاب جناية هتك العرض بالإكراه، وتهديد شخص بإسناد أمور خادشة للشرف، باستخدام وسيلة تقنية المعلومات.
ويروي (جمال)، البالغ 40 عاماً، أنه كان يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فاستوقفه إعلان مركز تدليك يقدم خصومات كبيرة على الجلسات، ما شجعه على الاتصال والحجز.
ويتذكر شعوره بإذلال كبير بعد اصطياده عبر الإعلان، وتعرضه للاستدراج والسرقة بالإكراه، والتصوير عارياً، والابتزاز من امرأتين.
ويقول (جمال): «بدأت الواقعة حين تواصلت عبر أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي مع امرأة تعرض خدمات المساج، وحددت لي عنواناً. واكتشفت أن هناك امرأتين، التقطت إحداهما صوراً مخلة لي مع الأخرى، ثم هددتاني بنشر الصور إذا لم أذعن لهما وأعطهما ما بحوزتي من مال».
وتفيد دائرة القضاء في أبوظبي بأنها سجلت 1589 قضية ابتزاز إلكتروني في إمارة أبوظبي منذ عام 2017 إلى سبتمبر الماضي.
وجاء التهديد الجنسي كأكثر أنواع الابتزاز، وفقاً لإحصاءات الدائرة، فيما كانت الفئة العمرية الأكثر استهدافاً للابتزاز الإلكتروني من 18 إلى 25 عاماً.
وأكدت الدائرة أن النساء هن الأكثر تردداً في الإبلاغ عن تعرضهن للابتزاز، على الرغم من التعامل بسرية تامة مع الحالات كافة، مشيرة إلى أن تطبيق «بلغ النيابة»، الذي يتيح للجمهور الإبلاغ عن تعرضهم للجريمة الإلكترونية أو الابتزاز، بات فعَّالاً بشكل أكبر، ويستقبل بلاغات تفوق ما يقدم في مراكز الشرطة، بسبب إتاحته إمكان تقديم البلاغ سراً، أو طلب عدم تحويل المشكلة إلى القضاء.
وحددت الدائرة أبرز الوسائل المستخدمة في الابتزاز الإلكتروني، حسب الإحصاءات الأخيرة، بالصور والتسجيلات الصوتية ومقاطع الفيديو والبريد الإلكتروني، وتطبيقات التواصل الاجتماعي، محذرة من أن استجابة الضحية للجاني تعني أنه تمكن من تحقيق مبتغاه، إلا أن بعض الضحايا يبلغون مباشرة، ويطلبون المساعدة، وهو أفضل ما يمكن فعله.
ودعت أفراد المجتمع في حال التعرض للابتزاز إلى إبلاغ الشرطة أو الجهات القضائية المختصة، والتواصل مع الخدمات الإلكترونية المختلفة في الدولة، التي تتيح تقديم بلاغات إلكترونية كنظام «بلغ النيابة» التابع للنيابة العامة في أبوظبي.
كما حذّرت من تحويل أي مبالغ مالية، استجابة لمطالب الجاني، أو الإفصاح عن أرقام البطاقات الائتمانية، إضافة إلى رفض الرضوخ لمطالب الجاني أو تحقيق أهدافه.
وأشارت إلى أن الابتزاز الإلكتروني يترتب عليه ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع، وانتشار الأمراض النفسية، بسبب معاناة الضحايا من الضغوط.
8 محاذير لتجنب الوقوع في فخ الابتزاز
حددت دائرة القضاء في أبوظبي ثمانية محاذير لتجنب الوقوع ضحية للابتزاز الإلكتروني، شملت عدم الوثوق بالأشخاص المجهولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم إعطاء أي بيانات شخصية لمصادر مجهولة عن طريق البريد الإلكتروني أو الهاتف، وتجنب محادثات الفيديو مع الأشخاص المجهولين، وعدم دخول المواقع الإباحية أو أي مواقع مشبوهة (مواقع التعارف والدردشة)، وعدم إعطاء الأجهزة الذكية للصيانة إلا لوكيل معتمد أو محال موثوقة، وعدم مشاركة البيانات والمعلومات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والاستفادة من التحذيرات والإرشادات المقدمة من الجهات الحكومية المختصة بهذا الشأن، إضافة إلى دور الأسرة في تعزيز ثقة أبنائها للاستخدام الصحيح للبرامج والتطبيقات الإلكترونية، وليس الحرمان الكامل منها.
إجراءات فعالة
أكدت دائرة القضاء في أبوظبي وجود تعاون وشراكة مع شركة «فيس بوك»، المالكة لتطبيقات تواصل اجتماعي عدة، بشأن التعامل مع الجرائم الإلكترونية، والتصدي للابتزاز، عبر إجراءات فعالة لحماية الضحايا، واستعادة الحسابات المخترقة، إلى جانب السيطرة على انتشار الصور والفيديوهات التي تستخدم وسيلة ابتزاز، بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات داخل الدولة.
وأفاد رئيس نيابة، في الدائرة، عبدالله حمد المنصوري، بأن القضاء يعمل ضمن مواد الاختصاص التي تتيح تحريك دعوى ضد الجاني، وملاحقته قانونياً داخل الدولة. وفي حال كان موجوداً خارجها، يكون السعي لحماية خصوصية الضحية من خلال توجيهها للإبلاغ عن اختراق الحساب، ومساعدتها في التخاطب مع الشركة التي تدير التطبيق أو الموقع.
وأكد المنصوري أن الدائرة، بالتعاون مع هيئة تنظيم الاتصالات، وشركة «فيس بوك» بصفتها مالكة أشهر منصات التواصل الاجتماعي، ناقشت الإشكالات القانونية والعملية التي يواجهها التحقيق في الجرائم الإلكترونية، وجرائم الابتزاز على وجه الخصوص، لافتاً إلى أن الشركة أظهرت اهتمامها، ووفرت خطوط تواصل ساخنة لتطويق هذه الجرائم، عبر تزويد الجهات المختصة بمعرّف الحساب الخاص للجاني، للسيطرة على الأمر قدر المستطاع، والوصول إليه لمنع نشر الصور أو المقاطع التي تستخدم وسيلة، وإعادة الحسابات المخترقة، ضمن شروط معينة.
• ضحايا الابتزاز الإلكتروني بينهم شبان ورجال ناضجون إلى جانب النساء والفتيات.
• مبتز يخترق هاتف ضحيته وينسخ محادثاتها وفيديوهاتها الخاصة ويهددها بإبلاغ زوجها.
• مبتز يدفع ضحيته للجوء إلى البنك.. والضحية تخسر 700 ألف درهم بسبب «الخجل».. ومحاولة تجنب الفضيحة.
• 1589 قضية ابتزاز إلكتروني سجلت في أبوظبي، بين عام 2017 وسبتمبر الماضي.
• %80 حالات الابتزاز التي لا يُبلَّغ عنها، خوفاً من الفضيحة.