قانونيون: تندرج ضمن السبّ والتشهير ما لم توثق بتقرير رسمي
«تعليقات سلبية» عبر «التواصل» تقود أصحابها إلى القضاء
قضايا عدة سجلتها محاكم الدولة، أخيراً، بعد نشر أشخاص تغريدات أو تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، تعبّر عن عدم رضاهم عن تجربة ما، سواء كانت شراء منتج بعينه أو تجربة مذاق وجبة في مطعم أو فندق، أو انتقاد جهة خدمية.
وبحسب قانونيين، يتمثل الخطأ في تجاوز النشر حدود التعبير المتحفظ، المقبول، إلى الإساءة والتشهير والسبّ والقذف باستخدام ألفاظ غير لائقة، مثل وصف الطعام بأنه «زبالة»، أو إهانة طواقم العمل في المكان، أو اتهام مقدمي الخدمات بأنهم لصوص، وما إلى ذلك من الألفاظ الدارجة، التي يتكرر نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي من دون إدراك عواقبها.
ويؤكد القانونيون لـ«الإمارات اليوم» أن هناك نوعين من النشر، أحدهما يعدّ تشهيراً، والآخر لا يحمّل صاحبه مسؤولية قانونية، لافتين إلى أن صحة الواقعة، أو تجربة صاحب المنشور غير الإيجابية، لا تعطيه الحق في الإساءة إلى الجهة التي يكتب عنها.
وشرحوا أن من حقه أن ينتهج الطرق القانونية، ويلجأ إلى الجهات الرقابية المسؤولة عن المكان الذي يستهدفه بالمنشور أو الصورة، سواء كانت الشرطة أو إدارات حماية المستهلك أو البلدية، لحماية نفسه من التبعات القانونية، أما نشر صورة مثل حشرة في مطعم أو فندق، عوضاً عن التوجه إلى الجهات المعنية، فلا يندرج ضمن حقوقه.
وسجلت المحاكم قضايا عدة أحيل أصحابها إلى محاكم الجنايات، وقطعوا طريقاً قضائياً مرهقاً بسبب تصرفات ظنوا أنها مجرد انفعالات عابرة.
وكان شخص آسيوي كتب منشوراً على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، تضمن إساءات بالغة تجاه إحدى الدوائر بسبب فشله المتكرر في اختبار القيادة.
وفي قضية أخرى، صوّر مؤثر اجتماعي مقطع فيديو لمنتج معيب (مكرونة مسوسة)، ليجد نفسه ماثلاً أمام القضاء بتهمة الاعتداء على الخصوصية والتشهير بمتجر شهير، قبل أن يصدر قرار قضائي يعفيه من المسؤولية.
وتُبين هذه القضية ما قد يكون مسموحاً به أو غير مسموح، إذا مرت بمراحل التقاضي الثلاث، فقضت محكمة أول درجة ببراءة المتهم من تهمة الاعتداء على الخصوصية والتشهير، بناء على قرينة مهمة، هي إرسال المقطع المصور إلى البلدية وتسجيل شكوى، واتخاذ إجراء من البلدية حيال الفرع الذي شهد المخالفة، ما رسخ قناعة المحكمة بانتفاء القصد الجنائي للمتهم لأنه نشر الفيديو لاحقاً.
لكن محكمة الاستئناف قضت بإدانة المتهم وتغريمه، بناء على اطمئنانها إلى اعتدائه على خصوصية المتجر.
وانتقلت الدعوى إلى مرحلة التقاضي الأخيرة، وهي المحكمة الاتحادية العليا، التي رفضت حكم محكمة الاستئناف وأكدت براءة المتهم، معتبرة في حيثياتها أن مخاطبته الجهات الرسمية أولاً لاتخاذ إجراءاتها بحق المتجر، تبعد تصرفه عن دائرة انتهاك الخصوصية.
ويؤكد المحامي، علي خلف الحوسني، أن من حق الجهة المتضررة من النشر، سواء كانت مطعماً أو متجراً، أو أياً كان اختصاصها، أن تتخذ إجراء قانونياً حيال صاحب المنشور أو الصور، ما لم يقترن النشر بإجراء قانوني من الجهة المعنية، لأن هذا التصرف يندرج في إطار السبّ والقذف.
ويقول إن هناك مسارات واضحة يجب أن يلتزم بها الشخص، قبل نشر صورة أو تعليق يمس جهة ما، أولها اللجوء إلى جهة رسمية مثل البلدية، ويكون لديه قرار أو حكم ضد المرفق الذي يستهدفه بالنشر، مثل الإغلاق أو تحرير مخالفة.
ويؤكد الحوسني أن النشر في الـ«سوشيال ميديا» مجرّم حتى لو كان موضوعه حقيقياً، والواقعة حدثت فعلاً، مثل رصد حشرة في مطعم أو فندق، طالما لم يثبت صاحبه ذلك، ويحصل على حكم باتّ وقطعي بصحة روايته من الجهة الرقابية المسؤولة عن المكان.
ويشير إلى وجود فرق كبير بين تقييم تجربة الشخص في مكان ما، أو تقييمه لمنتج بعينه، مثل هاتف اشتراه، والحديث عن ذلك بلغة محترمة تعبر عن أن حديثه مقتصر على تجربته الشخصية فقط، وبين التجاوز وسبّ المكان الذي اشترى منه المنتج أو الشركة المصنعة، والحديث عن عيوب لا يدركها سوى خبير مختص، لافتاً إلى أن «هذه التصرفات متكررة ونرصدها بشكل شبه يومي عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكنّ مرتكبيها لا يدركون أنهم يضعون أنفسهم تحت طائلة القانون، نتيجة ارتكابهم جرائم سب وقذف بما يعرف بالسب العلني».
ويضيف أن «المشرّع الإماراتي تصدى لهذه الجريمة في قانونَي العقوبات وتقنية المعلومات، إذ نص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة، من رمى غيره بإحدى طرق العلانية بما يخدش شرفه أو اعتباره».
وشدّد المشرّع على عقوبة ارتكاب جريمة السب باستخدام شبكة الإنترنت أو غيرها من وسائل تقنية المعلومات، فبحسب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، يعاقب كل من سب الغير بالحبس، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبين.
من جهته، أكد المستشار القانوني، وجيه أمين عبدالعزيز، أن «الإشكالية تتمثل في عدم إدراك كثيرين الفارق بين الحديث العابر في جلسة تضم مجموعة من الأصدقاء، وبين نقل الحديث ذاته إلى منصات التواصل الاجتماعي، لأن الكلمة التي تكتب في حالة غضب يمكن أن يتناقلها مئات آلاف بل ملايين الأشخاص، ومادامت قد نشرت فلا يمكن الرجوع عنها، وهي تعد دليلاً ضد صاحبها»، لافتاً إلى أن «تغاضي كثير من الجهات عن منشورات أو تعليقات مسيئة بحقها، لا يعني بالضرورة أنه لا يمكنها مقاضاة أصحاب هذه المنشورات، لذا يجب على الجميع الانتباه قبل الحديث عن تجاربهم، أو نشر صور تمس أماكن بعينها على الـ(سوشيال ميديا)، لأن هذا يضعهم تحت طائلة عقوبات جرائم السب والقذف والتشهير، على وسيلة من وسائل تقنية المعلومات».
ويوضح أن القذف المستوجب للعقاب يعرف بأنه «كل قول يتضمن إسناد فعل، يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية، ويوجب احتقار المسند إليه عند أهل وطنه أو حرفته».
وأفاد المحامي، محمد العوامي المنصوري، إن «هذه إشكالية متكررة، ولا يعي كثيرون عواقبها، إذ نرصد يومياً عشرات الاتهامات بالسب والقذف على شبكات التواصل الاجتماعي، ويجهل مطلقو الشتائم أن نشرها بمثابة توثيق لها».
ويضيف أن هناك طريقاً رسمه القانون لكل صاحب حق، يبدأ بإثبات الحالة، فإذا أكل شخص في مطعم ما، على سبيل المثال، وشعر بتوعك، فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك مشكلة بالطعام، إذ لا يوجد دليل على السببية مادام لم يلجأ إلى جهة مختصة تثبت ذلك، مثل الشرطة أو البلدية، لكن كتابة منشورات، من عينة «أكلهم زبالة» و«جالي تسمم»، تضعه تحت طائلة القانون.
وأكد أن هذا التصرف يندرج تحت طائلة جرائم التشهير، إذ يمكن أن يسبّب ضرراً كبيراً للمكان الذي أساء إليه، ويتحول الشخص من صاحب حق، لم يسعَ إلى إثباته بالطرق القانونية، إلى مجرم.
جريمة القذف
تقام جريمة القذف، بصرف النظر عن الباعث عليها، فالقانون لا يتطلب قصداً خاصاً في هذه الجريمة، بل يكفي توافر القصد الجنائي العام الذي يتحقق متى نشر أو أذاع القاذف أموراً يعلم أنها تتضمن احتقار المنسوب إليه أو ازدراءه، ومتى تحقق القصد في جريمة القذف، فلا محلّ للخوض في مسألة النية بصرف النظر عن صحة الواقعة من عدمها.
تجارب شخصية
قال مستشار قانوني أول، وجيه أمين عبدالعزيز، إن المشرع شدد عقوبة السب والقذف عبر وسائل تقنية المعلومات، لسرعة انتشارها وأثرها الكبير في المحيط الاجتماعي.
ويصبح الظرف مشدداً إذا كانت الإساءة لجهة حكومية، فبحسب المادة 20 بالقانون الاتحادي رقم (5) لسنة 2012 بشأن جرائم تقنية المعلومات، إذا وقع السب والقذف بحق موظف عام أو مكلف بخدمة عامة، عُدّ ذلك ظرفاً مشدداً.
ومن الممكن أن يتعرض أي منا لموقف غير مرضٍ، أو لتلقي خدمة لا تعجبه، أو قد يتعرض لقرار غير منصف، مثل تسجيل مخالفة، أو قد يحصل على سلعة رديئة، ويعتقد أنه دفع أكثر مما هو مستحق عليه فعلاً، إلا أن هذه الحالات تظل تجارب شخصية، ولا تعبّر عن حالة عامة.
لذا يجب على صاحب التجربة السيئة الالتزام بالقانون في المطالبة بالحق، واللجوء إلى الجهات الرسمية حتى لا يضع نفسه تحت طائلة القانون الذي يحتمي به.
• آسيوي كتب منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، تضمّن إساءات لإحدى الدوائر بسبب فشله المتكرر في اختبار القيادة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news