شرطة دبي تحدد زمن وفاة جثة مجهولة ومتحللة بالاستناد إلى علم الحشرات الجنائي

في خطوة هي الأولى من نوعها في المنطقة، تمكنت الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة في شرطة دبي، من تحديد زمن الوفاة بدقة لجثة شخص متحللة عُثر عليها في إحدى المساكن المهجورة بالإمارة، بالاستناد إلى قاعدة البيانات الاستراتيجية لعلم الحشرات الجنائي، والتي أعلنت شرطة دبي مؤخرا عن الشروع في تأسيسها بالتعاون مع المنظمة العالمية للعلوم والأبحاث NSF.
دقة التوقيت
وقال اللواء الدكتور أحمد عيد المنصوري، مدير الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة، إن فريق مشروع قاعدة البيانات الاستراتيجية لعلم الحشرات الجنائي، نجح في تحديد زمن الوفاة بدقة، وهو 63 ساعة ونصف من وقت العثور على الجثة، في حين كان تقدير زمن الوفاة وفقا للطب الشرعي تقريبياً، نظراً للوضع الذي وُجدت عليه الجثة وتغذي الحشرات عليها، وهو ما يعتبر إنجازا كبيرا للمشروع الذي أعلنا عن إطلاقه منتصف العام الماضي، لتأسيس قاعدة بيانات مرجعية تتضمن معلومات تفصيلية حول فصائل الحشرات التي تتغذى على الجثث في البيئة الإماراتية، وعلى مدار الظروف المناخية المختلفة، وتحديد نوع السلالة ودورة حياة الحشرة في مراحل التحلل المختلفة للجثة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها ذلك على مستوى المنطقة.
عوامل مؤثرة
وأكد اللواء المنصوري، أن علم الحشرات الجنائي أحد العلوم الجنائية المتخصصة والبالغة الأهمية، بحيث يستند إليه الخبراء لكشف ملابسات القضايا الغامضة بالاعتماد على الحشرات لتحديد عملية التحلل للجثث وزمن الوفاة بدقة، وإذا ما تعرضت الجثة لعملية انتقال من منطقة لأخرى، أو إذا ما ساهمت الظروف المناخية في تسريع أو إبطاء عملية التحلل، لافتا إلى أنها مجموعة عوامل تتكامل مع بعضها ليتمكن الخبراء والمتخصصين من تقديم إجابات علمية واضحة ودقيقة.
كما أكد أن اهتمام الإدارة العامة بعلم الحشرات الجنائي، جاء وفقا لتوجيهات من معالي الفريق عبد الله خليفة المري، القائد العام لشرطة دبي، ومتابعة من اللواء خبير خليل إبراهيم المنصوري، مساعد القائد العام لشؤون البحث الجنائي، بمواكبة كافة التخصصات العلمية، ومن ضمنها علم الحشرات الجنائي، وتأهيل الضباط والموظفين وإعدادهم في هذا التخصص، لنتمكن من الكشف عن غموض القضايا، بما يحقق التوجهات الاستراتيجية لشرطة دبي في الوصول إلى بيئة آمنة والابتكار في القدرات المؤسسية.
الظروف المناخية
من جانبها، قالت النقيب الدكتورة سارة المقهوي، طبيب شرعي، رئيس قسم الفحص الطبي في إدارة الطب الشرعي، رئيس المشروع الاستراتيجي لإنشاء قاعدة بيانات علم الحشرات الجنائي، إنهم شرعوا في تنفيذ عدد من التجارب العلمية المدروسة وفقا للأسس العلمية العالمية منذ بدء العمل على تأسيس قاعدة البيانات، لافتة إلى وضعهم جثث فئران في مناطق جغرافية مختلفة، كل منها يتميز بطبيعة مغايرة للأخرى، كالجبلي والصحراوي والساحلي والتجاري أو المدني المأهول بالسكان عادة، وتخضع تلك الجثث للمراقبة عن كثب، وتحديد ودراسة نوع فصائل الحشرات التي تتغذى على تلك الجثث طوال فترة التحلل، ودورة حياتها وسلالتها، ذلك أن لكل منطقة جغرافية حشرات تختلف عن الأخرى، ويقوم الفريق بتسجيل البيانات ودراسة الحشرات، للتمكن من إنشاء قاعدة بيانات علمية موثوقة نتمكن من الرجوع إليها في المستقبل متى استدعت الحاجة لذلك.
63 ساعة ونصف
وبيّنت الدكتورة سارة أن الجثة المتحللة التي وجدوها لشخص مجهول الهوية في المساكن المهجورة، لم يبلغ عنها أحد، ونظرا لتحللها وتغذي الحشرات عليها، كان لابد من تحديد زمن الوفاة بدقة، كجزء من دراسة القضية وكشف ملابساتها، خاصة وأن أسباب الوفاة كانت لا تزال مجهولة. وأضافت " في الطب الشرعي نحدد وقتا تقريبيا للوفاة إذا ما كانت الجثة متحللة، وفي هذه القضية كانت الفترة التقريبية لا تتجاوز بضعة أيام، ولكن بوضع جثة فأر في ذات الظروف التي تعرضت لها الجثة المجهولة وفقا لبيانات الأرصاد الجوية فيما يختص بالرطوبة والحرارة وخلافه، وبمراقبة الحشرات التي تكونت على جثة الفأر، ووصولها إلى ذات دورة حياة الحشرات التي رفعناها كأدلة من على الجثة المجهولة، تمكنا من تحديد الوفاة بدقة، وهو 63 ساعة ونصف."
تحديد 21 نوعاً
بدوره، أوضح الملازم حسين المرزوقي، مساعد خبير بيولوجي، المشرف العلمي والميداني في الفريق، أن التجارب العلمية التي ينفذونها لتحديد فصائل الحشرات، أسفرت عن تحديد 21 نوعا من الفصائل التي تتغذى على الجثث، وأنواعها وأماكن ومواسم وجودها ودورة حياتها، وغيرها من البيانات الأخرى، منوهاً بأنهم خصصوا عاما كاملا لتنفيذ التجارب وتوثيق بيانات المشروع للتأكد من محاكاة الجثث لمختلف الظروف المناخية على مدار العام، وفي المناطق الجغرافية المتنوعة للإمارة.
نمل "كاربينتس فيلس"
وأوضح الملازم المرزوقي " في إحدى التجارب، وضعت جثة فأر في منطقة صحراوية، وانتظرت حتى وصلت لمرحلة من التحلل لم يبقى منها سوى العظام، وبعرضها على متخصصين، خمنوا بقاءها في المنطقة الصحراوية ما لا يقل عن 3 أشهر، لكن في الواقع فإن الجثة لم تحتاج أكثر من 3 أسابيع حتى وصلت إلى تلك الحالة، وذلك بسبب تغذي نوع من النمل يسمى "كامبونتس فيلا" يقتات على الجثث في تلك المنطقة الصحراوية ويتركها في صورة عظام، وهو ما يخيّل للمرء بأن الجثة متروكة لأشهر."
وأكد الملازم أن علم الحشرات الجنائي علم قديم، ومعتمد منذ عشرات السنوات في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية، والذين بدورهم يملكون قاعدة بيانات لمئات الفصائل من الحشرات التي تتغذى على الجثث، بمراحل نموها ودورات حياتها، كل وفقا للظروف المناخية والجغرافية التي تعيش فيها، منوها بأن كل دولة عربية يلزمها إنشاء قواعد بيانات خاصة بها، نظرا لاختلاف فصائل الحشرات باختلاف البيئة والمناخ من دولة لأخرى، ومن منطقة لأخرى.
وأوضح أنهم مستمرون في تنفيذ التجارب العلمية ومراقبة الجثث الموزعة في مناطق مختلفة بكاميرات حرارية، ورفع عينات الحشرات بشكل أسبوعي، وتسجيل البيانات استكمالا للمشروع المزمع الانتهاء منه قرابة منتصف العام الحالي، لافتاً إلى أن المشروع من شأنه أن يحدث ثورة علمية في المنطقة بعد تكوين قاعدة بيانات ثرية، بحيث يتم الاستناد إليه في حل العديد من القضايا الغامضة وملابساتها سواء في الإمارة أو أي منطقة أخرى.
كادر
جهود شرطة دبي في التأهيل والتدريب
شرعت الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة منذ أكثر من 4 سنوات، في تدريب وتأهيل الضباط في علم الحشرات الجنائي، استشرافاً منها بأهمية هذا العلم وأثره الكبير في المساهمة بإيجاد إجابات لحل القضايا الغامضة، وفقا للأدلة والدراسات العلمية المرتبطة بالمجال.
وتلعب الحشرات دورا بالغ الأهمية في عملية التحلل البيولوجي للجثث، وعلم الحشرات الجنائي المستند إلى دراسة ومعرفة طور حياة الحشرة وتطور نموها وفقا لكل نوع، بما يمكن الخبراء من استنتاج معلومات مؤكدة ودقيقة حول مكان حدوث الوفاة أو الجريمة، وتحديد زمن الوفاة بالساعات والأيام والأشهر أيضا، وإن كانت قد وقعت في الليل أو النهار، وهو ما يلعب دورا أساسيا في تبرئة أو إدانة المتهم.

الأكثر مشاركة