لم يتعلموا من تجاربهم.. وغامروا بآخر درهم في جيوبهم

ضحايا يسقطون في فخ الاحتيال.. بصورة متكررة

صورة

حكى ضحايا جرائم احتيال كيفية وقوعهم في فخ المحتالين نتيجة اندفاعهم بسذاجة وإهمال وراء وعود غير قابلة للتحقق، واستسلامهم للطمع في الربح السريع.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم» إن الشكوك سيطرت عليهم في البداية، لكن المحتالين لعبوا على وتر الثقة والمكسب المضمون، مؤكدين لهم أن أموالهم لن تمس، حتى في حال الخسارة، فصدقوهم وأهدروا أموالهم.

وكشف ضحايا أنهم خسروا جميع مدخراتهم بعدما أغراهم المحتالون بمكاسب غير منطقية. وقال بعضهم إنهم لم يترددوا في الاقتراض للمشاركة في مشروعات تبيّن لاحقاً أنها وهمية، معترفين بأنهم سقطوا في الفخ نفسه ثلاث مرات.

وأفاد مصدر أمني بأن «أغلبية الأجهزة الأمنية في الدول المتقدمة لا تلتفت إلى هذا النوع من البلاغات، وتعتبر أن الضحية مسؤول - أو على الأقل أصبح مشاركاً في المسؤولية - حين قرر منح أمواله طواعية لمحتالين، لكن الأمر يختلف كلياً في الدولة، إذ تحرص الشرطة على تسجيل البلاغات وملاحقة المجرمين، والعمل قدر المستطاع على إعادة الأموال إلى أصحابها، لكن تبقى هناك مسؤولية بالتأكيد على أفراد المجتمع، لأن الإنسان يجب أن يتمتع بقدر من الوعي والحذر والمنطق، قبل أن يقرر المشاركة في أنشطة لا يفهم عنها شيئاً، متوقعاً أرباحاً لا يمكن أن تكون منطقية على الإطلاق».

وحول الموقف القانوني لضحايا هذا النوع من الجرائم، قال محامٍ، إن «الدولة عالجت ذلك بتشريعات قوية لخلق بيئة استثمارية آمنة، وألزمت الحصول على تراخيص للاستثمار، وحدد القانون مدة الحبس ثلاثة أشهر للمخالفين، إضافة إلى المساءلة المدنية، لكن على الناس أن يتمتعوا بقدر من الوعي قبل المشاركة في أنشطة يجهلونها».

وحول التبعات القانونية وما إذا كان الضحية يعد مشاركاً في المسؤولية، في ظل تنازله عن أمواله طواعية، قال مستشار قانوني، إن مقولة «القانون لا يحمي المغفلين» ليست دقيقة، فالقانون يوفر الحماية لجميع أطياف المجتمع، بمن فيهم ناقصو الأهلية أنفسهم، لكن المقصود غالباً بهذه العبارة، خصوصاً في جرائم الاحتيال، أن القانون ربما لا يعيد للضحية الأموال التي خسرها، لكنه يقتص من الجاني، مشيراً إلى أن «الضحية لا يتحمل تبعات قانونية وتكفيه خسارته لأمواله، فهذا عقاب كافٍ للطمع وسوء التقدير».

بدوره قال أستاذ علم نفس جنائي، إن المحتالين يختارون ضحاياهم، ويطبقون استراتيجية «جاذبية الهدف»، وهو الشخص الذي يخضع بسهولة للإغراءات ويمكن اصطياده من خلال تحفيزه بمكاسب سريعة، مؤكداً أن «هذا لا يرتبط بمستوى تعليم الضحية أو ثقافته، بقدر تعلّقه بسماته الشخصية ورغبته في الثراء العاجل».

وتفصيلاً، قال أحد ضحايا عملية احتيال وقعت أخيراً، لـ«الإمارات اليوم»، إنه بمثابة هدف مفضل للمحتالين، إذ سقط في هذا الفخ ثلاث مرات، ولم يتعلم من أخطائه بكل أسف، وأهدر جميع مدخراته أملاً في تعويض خسائره.

وقال إنه يعاني مشكلة الثقة المفرطة بالآخرين، حتى لو كانوا غرباء، مشيراً إلى أنه تلقى اتصالاً للاستثمار لدى إحدى الشركات فحاول التملص، لكن المتصل أدرك نقطة ضعفه جيداً فلاحقه بالاتصالات وسلط عليه أشخاصاً مختلفين، حتى اقتنع بالاستثمار معهم.

وأضاف أنه ظل يكذب نفسه كثيراً إلى أن اكتشف أنه وقع ضحية عملية احتيال، ويعاني نفسياً نتيجة اندفاعه وتصرفه الخطأ، آملاً معاقبة المتهمين وإجبارهم على سداد ولو جزء من مستحقاته.

ولم تخل بعض الحالات من غرابة مثل واقعة يحكيها «م.ع» تتعلق بزوجته التي تلقت مكالمة هاتفية من محتالين أقنعوها بالفوز بجائزة مالية مغرية، وطلبوا منها إجراء تحويلات مالية لهم، مشيراً إلى أنها استجابت لهم بطريقة مستفزة، لدرجة مغادرتها مقر عملها أكثر من مرة لتحويل الأموال لهم، وإصرارها على عدم إخباره على الرغم من شعوره بأن شيئاً مريباً يحدث.

وأضاف أنها أبلغته في النهاية بما حدث، مؤكدة أنها كانت تخفي عنه ذلك إلى أن تحصل على الأموال حتى يسر بالمفاجأة.

وبحسب تأكيد ضحايا، لـ«الإمارات اليوم»، فإن المحتالين يكونون من أقرب الناس.

وقال «و.ع» إنه تعرض للاحتيال مرتين من اثنين من أقرب أصدقائه، كاشفاً أنهما استوليا على مدخراته التي ناهزت ملايين من الدراهم، فالأول في بلاده، والآخر في الإمارات.

ويضيف أنه تلقى تحذيرات عدة من زوجته بسبب تعامله المفرط بحسن نية، وطمعه في تحقيق أرباح سريعة، لكنه لم يستجب وصمّ أذنيه كلياً عن النصح، بل حصل على قرض لاستثماره مع صديقه الخائن من دون أن يدرك أن الأخير كان يجهز للهروب بالأموال.

وشملت قضايا الاحتيال الغريبة التي نظرتها المحاكم، جريمة نفذها محتال انتحل صفحة شخصية عامة مرموقة، وسيطر نفسياً على أسرة كاملة، واستولى منها على نحو 20 مليون درهم.

وكشف شقيق المجني عليه في القضية، أن المتهم كان يتردد على المنزل حتى صار صديقاً للعائلة، وكان يُظهر صوراً له مع شخصيات عامة، ويتصرف بطريقة تعكس ثراء كبيراً، ثم تمادى في تحكّمه في العائلة إلى درجة إملاء أمور على المجني عليه تتعلق بالشؤون المالية لأفراد الأسرة، ثم طلب منه جمع البطاقات الائتمانية منهم وتسليمها إليه، حتى يتولى الإنفاق بنفسه على العائلة.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة وحملات التوعية، فإن الطمع في المكسب السريع يوقع ضحايا في فخ هذه الأساليب، مثل شخص (عربي) استدرجته امرأة عبر تطبيق «إنستغرام»، وأقنعته بأنها تملك 18 سبيكة ذهبية في دولة إفريقية، وتحتاج إلى 50 ألف درهم لتخليصها جمركياً، ووعدته بمنحه ثماني سبائك إذا شاركها في المبلغ. وبإغراء الذهب بدأ في تحويل دفعات لها إلى بلادها، ثم واصل تزويدها بالنقود، حتى بلغ إجمالي ما سدّده 185 ألف درهم، من بينها دفعتان سلمهما نقداً لشخص في دبي. وعندما أدرك أنه وقع ضحية احتيال، أبلغ الشرطة بالواقعة وقبض على الشخص الذي تسلم منه النقود، ووجهت إليه النيابة العامة ارتكاب جنحة الاستيلاء على مال الغير بأسلوب احتيالي، لكن المجني عليه خسر أمواله في النهاية.

إلى ذلك، قال مصدر أمني (فضل عدم ذكر اسمه)، إن التوعية هي خط الدفاع الأول من هذه الجرائم، مشيراً إلى أن ضحايا يوشكون أن يسلموا المحتالين أموالهم دون أن يطلبوا منهم ذلك.

وأضاف أنه لن ينسى شخصاً خسر مبلغاً كبيراً على يد محتال استخدم معه أسلوب مضاعفة الأموال التقليدي، وبعد أشهر عدة التقى المجرم بالصدفة في أحد الأسواق، وأمسك به، لكن بدلاً من أن يسلمه للشرطة، أقنعه المحتال بتعويضه، واستولى منه على مبلغ إضافي ضخم ثم لاذ بالفرار.

وتابع أن هناك أجهزة أمنية في دول عدة تتجاهل هذا النوع من البلاغات، أو تحولها إلى الشق المدني وليس الجزائي، على اعتبار أن الضحية شريك في المسؤولية، لكن الشرطة في دولة الإمارات تحرص على تقديم الدعم للضحايا وتسجيل البلاغات وضبط المتهمين، وبذل كل الجهود الممكنة لاستعادة حقوق الضحايا.

وقال أستاذ علم الجريمة في جامعة الشارقة، الدكتور أحمد العموش، إن المحتالين يجيدون اختيار ضحاياهم من خلال ما يعرف بـ«جاذبية الهدف»، مشيراً إلى أن هذا الأمر أصبح سهلاً في ظل توافر معلومات إضافية عن عمل وحياة وأنشطة الضحية عبر حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي، فينسجون شباكهم حوله ويحددون الطريقة المثالية لاصطياده والاحتيال عليه.

وأضاف أن ضحايا الاحتيال لا يتمتعون بالوعي الكافي، وتسيطر عليهم غالباً رغبة في الثراء السريع، لذا تُعميهم مطامعهم عن اكتشاف نوايا المحتال، وهذا ما يحدث بكل أسف مع آلاف الأشخاص يومياً على مستوى العالم.

وأشار إلى أن الضحية يكتشف بعد وقوع الجريمة أنه كان ساذجاً حين وافق على الإسهام في نشاط أو استثمار لا يعرفه يدّر عليه ربحاً غير منطقي بأي حال من الأحوال، ما يعزز لدى الشخص الواعي أمرين، إما أن النشاط غير شرعي، أو أنه مستهدف من قبل أحد المحتالين.

وذكر أن البعض يقع في أخطاء متكررة تقوده من محتال إلى آخر، مؤكداً أن الأمر لا يرتبط بمستوى تعليم الضحية، إذ إن هناك أشخاصاً يتمتعون بتعليم عالٍ، بل متقدم ويسقطون بكل سذاجة في فخ محتال أقل منهم في المستوى التعليمي.

بدوره، قال المحامي الدكتور يوسف الشريف، إن هناك أشكالاً مختلفة من الاحتيال، منها ما يعرف بالمحافظ الوهمية في عام 2008، إذ استولى أشخاص برزوا فجأة في الساحة على مئات الملايين من الدراهم، بعدما أغروا ضحاياهم بأرباح خيالية تصل إلى 30%، وكانوا يطبقون استراتيجية تلبيس كل شخص قبعة الآخر، فيحصل على المال من شخص ويسدده كأرباح لآخر، حتى غرقت السفينة كلياً وخسر المودعون أموالهم. وأضاف أن الدولة عالجت ذلك بتشريعات قوية لخلق بيئة استثمارية آمنة، وألزمت بالحصول على تراخيص للاستثمار، وحدد القانون مدة الحبس ثلاثة أشهر للمخالفين، إضافة إلى المساءلة المدنية، لكن من الضروري أن ينتبه الناس ويتمتعون بقدر من الوعي قبل المشاركة في أنشطة يجهلونها.

وأكد الشريف أن «القانون وضع لحماية الناس جميعاً، العاقلين والمغفلين، لكن حين تكون هناك صيغة تراضٍ بين مانح المال ومستلمه، فإن الوضع القانوني يختلف بالتأكيد، لكن بشكل عام، هناك مظلة قانونية بشقيها الجزائي والمدني تحمي ضحايا هذا النوع من الجرائم».

من جهته، قال المحكم والمستشار القانوني، محمد نجيب، إنه بالنظر إلى أغلبية ضحايا الاحتيال المرتبط بوعود استثمارية زائفة، نجد أنهم يضللون أنفسهم قبل أن يقعوا فريسة للمحتالين، مشيراً إلى أنهم يقاومون صوت العقل بداخلهم وينقادون إلى الفخ طمعاً في المكسب السريع.

وأضاف أن القانون يوفر الحماية الكاملة للجميع سواء أخطأوا في تقدير الأمور أو تم الإيقاع بهم بطريقة أخرى، ولا صحة لما يقال إن القانون لا يحمي المغفلين، بل تحرص أجهزة الشرطة في الدولة على بذل كل الجهد المطلوب في تعقب وتحري وضبط المتورطين، لكن ليس من الضروري أن تؤول كل هذه الجهود إلى إعادة الأموال للضحايا، فربما تم تهريبها أو إهدارها من قبل المتهمين بشكل أو بآخر.

وأشار إلى أن المشرّع الإماراتي حرص على سن عقوبات جزائية رادعة للمتورطين في جرائم الاحتيال، من خلال قانوني العقوبات، ومكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية.

رسالة أخيرة من محتال إلى الضحايا: سامحوني

قال ضحية احتيال لـ«الإمارات اليوم»، إنه شارك مع آخرين في استثمار مبالغ مالية لدى صديق له يملك مشروعاً تجارياً بعدما وعدهم بأرباح خيالية.

وبعد أن جمع كل مدخراتهم التي شملت قروضاً حصلوا عليها لاستثمارها معهم، هرب من الدولة وأرسل إليهم رسالة نصية يطلب منهم أن يسامحوه.

قانونيان:

■ القانون يحمي الجميع بمن فيهم المغفلون.. والتوعية ضرورية.

■ أحد الضحايا هدف مفضل للمحتالين وآخر سقط في فخ أقرب أصدقائه.

• امرأة أرادت أن تفاجئ زوجها بأنها ربحت جائزة كبيرة وفوجئت بأنها ضحية احتيال.

تويتر