أطفال مُعنّفون أسرياً يعانون «ندوباً خفية» في شخصياتهم
استقبل مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية - إيواء، 42 حالة عنف ضد الأطفال، خلال النصف الأول من العام الماضي، حيث تم تقديم الدعم والمساعدة لهم، فيما أكد اختصاصيون اجتماعيون حاجة الأطفال إلى التمتع بعلاقة آمنة ومستقرة مع القائمين على رعايتهم من أجل نمو صحي، مشيرين إلى أن الأطفال الذين تتشابك حياتهم مع العنف الأسري أقل قدرة على بناء شخصيات سليمة نفسياً ومستقلة مستقبلاً.
وتفصيلاً، أكد مركز أبوظبي للإيواء والرعاية الإنسانية – إيواء، أهمية الحوار والتواصل الفعّال مع الأطفال، حيث يساعد على تنشئة أفراد أكثر ثقة وقوة وقدرة على التعاطف مع الآخر، وكذلك يجعلهم أكثر قدرة على مواجهة ما تضعه الحياة في طريقهم من عقبات، وبناء علاقات صحية قائمة على الثقة.
حوار وتواصل
وشدد المركز على أن التواصل الفعال مع الأطفال يستلزم الصبر، حيث يحتاج الطفل لبعض الوقت لفهم الفكرة والتعبير عن نفسه، ويحتاج منحه المساحة الكافية للتواصل بالطريقة التي تناسبه، داعياً الآباء والأمهات إلى الإصغاء لأطفالهم باهتمام حين يتحدثون، والتركيز معهم بشكل كامل، ليشعر بأن كلماته ومشاعره مهمة وذات قيمة.
وطالب «إيواء»، باستخدام القصص والاستعارة في بعض الأوقات لإيصال الفكرة للطفل، ومساعدته على استيعاب المشاعر والأمور المعقدة بطريقة مبسطة، مؤكداً أهمية طرح أسئلة لا تحتاج إجابات محددة، ولا يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا، وذلك لتشجيع الأطفال على الحوار، وفتح الباب أمام الطفل للتعبير عن نفسه بشكل أكبر، مع الاستمرارية في اتباع أسلوب التواصل نفسه كل مرة، ما يساعد على بناء الثقة، إذ يشعر الطفل بأمان أكبر حين يمكنه توقع رد فعل الآباء والأمهات وطريقة تصرفهم.
حق الحماية
من جانبها، أكدت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، أن جميع الأطفال يتمتعون بحق الحماية، مشيرة إلى أن الأبحاث أظهرت أن الأطفال الذين عانوا سوء المعاملة يكونون أكثر عرضة لانخفاض معدلات التحصيل الدراسي، وللعديد من الآثار السلبية التي تؤثر في حياتهم على المدى الطويل، بما في ذلك العديد من المشكلات السلوكية والجسدية والمشكلات المرتبطة بالصحة العقلية ومن ضمنها الاكتئاب.
وأشارت الهيئة إلى أن نتائج البحث الاجتماعي تظهر أن التجارب المبكرة للأطفال تؤثر بشكل كبير في نموهم في المستقبل، كما أن مسار نموهم يحدد مدى إسهامهم الفعال في المجتمع، وبالمقابل، سيحدد إن كانت هناك تكلفة تقع على عاتق المجتمع، لذا تُعد حماية الأطفال من سوء المعاملة أمر بالغ الأهمية، لما له من أثر في صحة المجتمع ككل، ورفاهية أفراده، وتعزيز مسيرة التنمية الشاملة في الدولة، لافتة إلى أن حماية الطفل تستلزم اتباع نهج شمولي يضمن قدرة كل طفل على العيش والنمو دون التعرض لأي شكل من أشكال الإساءة.
الإبلاغ
وأكدت الهيئة أنه ينبغي على كل شخص، سواء كان شاباً أو بالغاً، ويشتبه في وجود أطفال تساء معاملتهم، الإبلاغ عن هذه الحالات، وذلك عن طريق الاتصال بالخط الساخن لمركز وزارة الداخلية لحماية الطفل على الرقم (116111)، أو إخطار الجهات الرسمية مثل الشرطة أو مراكز الدعم الاجتماعي أو المدارس أو عن طريق تطبيق «حمايتي»، مشيرة إلى تحمل المتعاملين مع الأطفال، مثل المعلمين والأطباء والأخصائيين الاجتماعيين، المسؤولية القانونية فيما يتعلق بإبلاغ وحدات حماية الطفل داخل القطاعات التي يعملون فيها عن أي حالة يشتبه في إساءة معاملتها.
وشددت الهيئة على أن مراكز الدعم الاجتماعي تضمن حصول الأطفال وأسرهم الذين تعرضوا لسوء معاملة على الخدمات المناسبة فيما يتعلق بالعلاج وإعادة التأهيل والاندماج في المجتمع، كما توفر الرعاية البديلة، والمأوى لهؤلاء الأطفال وأفراد أسرهم عند الحاجة.
الأسباب
فيما عزا اختصاصيون اجتماعيون بمدارس خاصة، العنف الأسري ضد الأطفال إلى أسباب اجتماعية، مثل الخلافات الزوجية، وكبر حجم الأسرة، وغياب الوعي بأساليب التنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال، بالإضافة إلى استخدام العقاب البدني في تنشئة الطفل.
وأكد الاختصاصيون الاجتماعيون عصام شوقي، ومنال بدر، وراوية عمير، أن العنف الأسري ضد الأطفال يتخذ العديد من الأشكال، منها الضرب المبرح، والإهانة، والسخرية، والإهمال، مشيرين إلى أن هذه الأفعال تؤثر أيضاً في سلوك الطفل خارج المنزل، خاصة في المدرسة والشارع، حيث يتعمّد الطفل ممارسة العنف كوسيلة لحل المشكلات، بالإضافة إلى أن العنف يعزز من نوبات الغضب لدى الأطفال.
فيما أكدت الاختصاصية الاجتماعية، أماني راشد، أن العنف الأسري يولد لدى الأطفال الشعور بالإحباط، ويعانون ضعف شخصيتهم، بالإضافة إلى تدني صورة الذات، ما يؤثر في حياتهم مستقبلاً، وقدرتهم على تحقيق ذاتهم، لافتة إلى أن الأســرة هــي الجهــة الأولى المعنيــة بعمليـة التربيـة والتنشـئة الاجتماعيـة للطفـل، لذا تتطلب مرحلة الطفولة عناية واهتماماً بالغاً من قبلها، حيث إنها تعتبر مرحلة حساسة تتشكل فيها شخصية الطفل.
التوعية والآثار
وأجمع الاختصاصيون الاجتماعيون، على أهمية توعية الأسر بكيفية التعامل مع الضغوط النفسية، وإكسابهم المعرفة، بالإضافة إلى التوسع في التعريف بخدمات الاستجابة والدعم التي توفرها العديد من الجهات ذات العلاقة في الدولة، وما توفره من أخصائيين اجتماعيين مدربين، وبيئات آمنة خارج المنزل، تقدم دعماً نفسياً واجتماعياً وأنشطة إرشادية.
وأكدوا أن العنف ضدّ الأطفال تترتب عليه آثار نفسية ومعنوية وصحية وجسدية، واجتماعية، منها تشبعه بالمشاعر السلبية والكره والحقد، كما يخلق العنف في نفسه الخوف والرهبة من الآخرين، ويؤدي في بعض الحالات إلى التمرد، بالإضافة إلى أن العنف الأسري ضد الأطفال، له تأثير في نمو الجهاز العصبي والعقل، ويتسبب في الإصابة باضطرابات في النوم، فيما تتضمن الآثار الاجتماعية عدم القدرة على إقامة علاقات مبنية على المودة والصداقة، واتباع سلوكيات مرفوضة كالتدخين، وشرب الكحول، وإدمان المخدرات، وتأثر المستوى الدراسي، والاتجاه إلى ترك التعليم.
من جانبه، أكد أخصائي الطب النفسي، أحمد السيد، أن العنف اللفظي أكثر أنواع العنف الأسري انتشاراً، يليه العنف الجسدي، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف في المنزل، قد يعانون اضطرابات نفسية وعاطفية عدة، تؤثر في نموهم على المدى البعيد، وأنهم أكثر قابلية لتبني السلوكيات العدوانية مثل التنمر. وأشار إلى أن الدراسات أظهرت وجود علاقة بين التحصيل الدراسي للأب والأم، والمستوى الاقتصادي للأسرة، وعدد أفراد الأسرة، ودرجة تعرض الطفل للعنف الأسري، وغالبــاً مــا يكــون التعــرض للعنــف صادمــاً، ويتشــكل الأثر التراكمي للعنــف عــلى الصحــة النفســية للأطفال، مــن خـلال الطريقـة التـي يتعـرض بهـا الأطفال للعنـف أثنـاء انتقالهـم مـن مرحلــة الطفولــة المبكرة إلى مرحلــة المراهقة.
• 116111 رقم الخط الساخن لحماية الطفل.
• 42 حالة عنف ضد الأطفال استقبلها «إيواء» خلال 6 أشهر.
• (أبوظبي للطفولة المبكرة): الأطفال الذين عانوا سوء المعاملة أكثر عرضة لانخفاض معدلات التحصيل الدراسي.
• اختصاصيون اجتماعيون: «العنف الأسري ضد الأطفال يولّد الشعور بالإحباط وينعكس سلباً على سلوكياتهم خارج المنزل».
علامات سوء معاملة الأطفال
أوضحت هيئة أبوظبي للطفولة المبكرة، أن التعرف إلى كل أشكال إساءة معاملة الأطفال، يمكن من خلال مراقبة سلوكيات الطفل الجسدية والعاطفية والاجتماعية، حيث تشمل هذه السلوكيات في حالة الاعتداء الجسدي، وجود كدمات وخدوش وإجهاد وقلق وتجنب الاتصال الجسدي والانعزال والانسحاب الاجتماعي، فيما تشمل في حالة الاعتداء الجنسي: التبول اللاإرادي والاتساخ وتدني احترام الذات، ووجود اضطرابات الأكل، وانعدام الثقة، والسلوك المعادي للمجتمع، والسلوكيات الجنسية غير اللائقة، كما تشمل في حالة الاعتداء العاطفي أو النفسي: التصرف بعدوانية مع الأطفال الآخرين، وعدم النمو بشكل طبيعي للطفل بمراحله العمرية المختلفة، وانعدام الثقة، والعاطفة المفرطة تجاه الغرباء، والقلق والخوف من الذهاب إلى المدرسة، وقلة أو عدم التواصل مع الآخرين.
وبينت الهيئة أن السلوكيات الدالة على إساءة معاملة الأطفال في حالة الإهمال تظهر في ارتداء ملابس غير مغسولة، وانبعاث روائح كريهة من الجسم، وسوء الحالة الصحية للأسنان، والافتقار إلى التعاطف، والسرقة أو التسول بغرض الحصول على الطعام، والتغيب عن المدرسة، وفي حالة الاستغلال الجنسي وجود علامات جسدية تدل على إساءة المعاملة، وظهور التعب والخوف أو الارتباك الناجم عن تطور علاقة مع شخص أكبر سناً، وامتلاك أشياء باهظة الثمن، مثل ساعات أو هواتف محمولة أو ملابس أو أموال، في حالة الاستغلال الاقتصادي تظهر علامات الشعور بالإرهاق والاكتئاب والقلق، والعزلة عن الأصدقاء والأسرة، بالإضافة على الاضطرار إلى ممارسة السلوك الإجرامي.