حقوق مصونة
تُقاس إنسانية الحكومات في مدى التزامها بتلبية حقوق واحتياجات جميع فئات المجتمع، ومن بينهم أصحاب الهمم، وربما يظن البعض أنهم (الهمم) يمثلون نسبة قليلة من المجتمع العالمي لكن بحسب منظمة الصحة العالمية يبلغ عددهم 1.3 مليار نسمة، وهذا ليس رقماً بسيطاً إذ يعني أنهم يشكلون 15% من سكان العالم، بواقع شخص من أصحاب الهمم من بين كل سبعة أشخاص.
وحين نزور بعض الدول، نصطدم بعدم تخصيص مرافق لذوي الإعاقة الحركية، وهذا أمر بالغ السوء، إذ يعكس نوعاً من التجاهل غير المبرر لفئة ليست بسيطة من المجتمع، لأبسط حقوق أفرادها المتمثلة في التنقل بسلاسة ومرونة في مختلف الأماكن العامة والدوائر الحكومية والخدمية، وزد على ذلك عدم تحصين حقوقهم القانونية، أو توفير الحماية لهم من الإساءة والتنمر، والسعي لدمجهم في المجتمع، ومساواتهم بغيرهم في الفرص والوظائف والتعليم.
ومن هنا ننتقل إلى موقف دولة الإمارات تجاه أبنائها وسكانها من ذوي الهمم، وهو بالفعل جدير بالتأمل بالنظر إلى أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، ونستند فيه إلى القانون لأنه أساس كل نظام قوي وعادل.
يُعد القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 بشأن حقوق أصحاب الهمم من النصوص التشريعية العظيمة التي تحمي حقوق أصحاب الهمم، وهو أول قانون يصدر في الدولة لهذا الغرض، ويوفر ضمانات واضحة للرعاية وتكافؤ الفرص في مجالات الرعاية الصحية والتعليم، من خلال دمجهم في المدارس العامة والخاصة، كما ينصّ على توفير حصة غير محددة لهم في الوظائف بالقطاعات المختلفة، مع ضمان حقهم في التدريب والتأهيل المناسبين، وتسهيل وصولهم إلى المباني الحكومية والمساكن. ومن القانون الاتحادي ننتقل إلى قانون آخر بالغ الإحكام أصدره صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بصفته حاكماً لإمارة دبي، وهو القانون رقم 3 لسنة 2022 بشأن حقوق ذوي الإعاقة في الإمارة، وهو يواكب عملياً وجوهرياً أفضل النصوص في هذا الشأن، ويرسّخ أرقى الممارسات العالمية، خصوصاً تلك التي تنصّ عليها الاتفاقية الدولية لحقوق هذه الفئة المهمة، بما يضمن تحقيق العيش الكريم، وتطوير التشريعات الناظمة لعملية دمجهم في المجتمع، بل وإشراكهم في رسم السياسات والخطط والتشريعات والمساهمة في صنع القرارات التي تؤثر في جودة حياتهم، وحمايتهم من أي إساءة. ربما لا تسمح المساحة بالتطرق إلى مواد القانونين تفصيلياً، لكن بشكل عام، من الجدير بالفخر والاعتزاز أن نعيش في دولة تراعي حقوق كل الفئات بكامل المساواة، وتضمن حياة كريمة للجميع دون استثناء.
*محكم ومستشار قانوني