بعد التنازل عن الحضانة
أربعة عشر عاماً مضت على علاقة زوجية لم يتخيل طرفاها يوماً أن ينتهي بهما المطاف إلى محكمة الأحوال الشخصية لتوثيق السطر الأخير في كتاب حياتهما معاً.
صدمة الزوج كانت كبيرة في ظل إصرار رفيقة الدرب على الطلاق رغم محاولة استرضائها بشتى الطرق، حفاظاً على مستقبل طفليهما، لكن لا حياة لمن تنادي، فرضخ لطلبها في نهاية الأمر بعد أن تحمل ما يكفي من لوم وتقريع وإهانة في كثير من المواقف بسبب خطأ اعترف به وتوسل إليها طلباً للمغفرة.
انتهى الزواج ليبدأ طريقاً آخر من الخصومة التي قطعت ما تبقى من حبال الود، وحصلت الزوجة على حقوقها كاملة، بما فيها حضانة الأولاد، إلى أن طرأ مستجد جعلها تظهر مرونة غير معتادة، وهي رغبتها في الزواج مرة أخرى، والتنازل عن الحضانة للأب.
وبسبب التغير المفاجئ في موقفها يسأل الأب: ماذا لو تغيرت الأمور مجدداً في المستقبل، هل يحق لها طلب الحضانة؟
بغض النظر عن اختلاف طبائع البشر، فإن من مظاهر رقي الشريعة الإسلامية جعل الحضانة للأم في مرحلة الطفولة، لأن النساء أكثر رفقاً وحرصاً على حسن رعاية الأبناء.
وإذا تنازلت الأم بإرادتها أو لعذر عن حضانة أولادها، سواء بمحرر رسمي موثق، أو باتفاق صلح وتسوية مبرم بين الطرفين، فإن من حقها المطالبة بالحضانة مرة أخرى، وفق حكم سابق لمحكمة التمييز، لأن تنازلها عن الحضانة لا يتعلق بحقوقها الشرعية، وإنما بحقوق الأبناء الصغار الذين هم في حاجة إليها.
وتصديق القاضي على عقد الصلح أو اتفاق التنازل عن الحضانة لا يستند إلى مبدأ الفصل بين الخصوم، بل يقتصر على إثبات ما وقع من اتفاق، وتوثيقه بمقتضى سلطته الولائية وليس سلطته القضائية، ومن ثم فإن اتفاق التنازل مجرد عقد لا يحسم أي نزاع لاحق بشأن الحضانة.
والمبدأ القانوني العام أن الحضانة تتعلق بثلاثة حقوق: حق المحضون وحق الأم وحق الأب، وإن اجتمعت الحقوق الثلاثة وأمكن التوفيق بينها ثبتت كلها، أما إذا تعارضت واختلف الأب والأم فإن حق المحضون مقدم على غيره.
بشكل عام يظل التراضي بشأن حضانة الأبناء أمراً ضرورياً، فإذا لم يتحمل الأبوان حياتهما سوياً من أجل أبنائهما على الأقل فعليهما مراعاة مصالح الأطفال بعد الانفصال.
*محكم ومستشار قانوني