القضاء اليوم

القضاء الواقف ليس مادياً

مهنة المحاماة رسالة قبل أن تكون مهنة لطلب الرزق، كونها رسالة البحث عن الحقيقة المجردة وإظهارها بعيداً عن كل ما هو مادي بحت.

أكتب هذا على اعتبار أن البعض ربما كونوا فكرة مغلوطة عن المحامي بأنه شخص مادي، لا يهتم بقضايا موكليه، وبمجرد استلامه الأتعاب لا يعير القضية اهتماماً ولا يجيب على الاتصالات الهاتفية.

وهذا الظن لا شك أنه خاطئ، بل إن اختيار المحامي الجيد وأحسب معظمهم كذلك، يعكس هذا الفكر تماماً، بل إن معظم الزملاء لديهم قضايا لحالات إنسانية يترافعون فيها دون أتعاب، وهذا يعتبر ميثاقاً وشرفاً لهذه المهنة.

فلا يجب أن يشاع بتصور خطأ لا يليق بمجموعة كبيرة من المحامين الممارسين لهذه المهنة، ولا يجب التعميم على الكل لمجموعة يكون عددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. فالمحامي ليس ملكاً لوقته، لأنه طوال اليوم يكون منهمكاً في حل قضايا موكليه، والرد على استفساراتهم، حتى في أيام الإجازات، سواء بإبداء المشورة لهم أو الانشغال بكتابة المذكرات، وهذا ما نحسبه دائماً عند معظم الزملاء.

مهنة المحاماة هي مهنة حرة لها قدسيتها ورسالتها السامية، فهي مهنة العظماء وهي شريك في السلطة القضائية لتحقيق العدالة، لأنها القضاء الواقف الذي يشارك القاضي (القضاء الجالس) في تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة التي يؤيدها بالحجج والبراهين، وقيل قديماً في فرنسا، إن «العدالة نتيجة حوار بين قاض مستقل ونزيه ومحام حر وأمين»، يكون في مقامها الأول الصدق والأمانة لذلك كانت البلاغة وقوة الحجة لازمتين لإظهار الحق وخير مثال على ذلك عندما استعان موسى عليه السلام بأخيه هارون، وقال هو أفصح مني لساناً.

وفي النهاية هي صدقة علم وجهد يحتسب أجرها عند الله عز وجل، والهدف ليس جمع المال فحسب، فالهدف النبيل لهذه المهنة هو أسمى من ذلك بكثير، فباب الرزق بيد الرازق سبحانه ولن يموت عبد دون ان يستوفي رزقه.

وعليه يجب أن يكون صاحب هذه المهنة على قدر من المسؤولية التي تعرضها أدبيات وسلوكيات المهنة التي لا تحكمها القوانين والنظم فحسب، بل تحكمها الأخلاقيات والأدبيات، لأن المحامي مؤتمن على كل ما يصدر عنه وكل ما يرد إليه، وهو الأمين على أسرار الناس، فكل الاحترام و التقدير للقضاء الواقف.

صفحة محاكم إعداد: بشاير المطيري

للتواصل مع معد الصفحة :

mahakem@emaratalyoum.com

تويتر