تشريع الابتسامة
كنت أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء، وكنا ننتقل بين الموضوعات كأننا نقلب صفحات مجلة متنوعة، حتى توقفنا في محطة الضحك والابتسامة، فقال لي: هل للابتسامة والضحك تشريع ينظمهما؟ قالها باستغراب، فقلت له: إن القانون أداة من أدوات الضبط الاجتماعي، وهو يحكم كل سلوك إنساني، والضحك يعتبر قمة السلوك الإنساني، بل في حقيقة الأمر إنه لغة واضحة وعالمية بخلاف لغة العيون التي بحاجة إلى متخصص في لغة الجسد لفك طلاسمها.
إن دستور الابتسامة والضحك يحكمه الحديث النبوي «تبسّمك في وجه أخيك صدقة»، أوليس ديننا عندما قرر الحسنة أوجد لها نداً يقابلها وهي السيئة؟ فالحسنة والسيئة وجهان لعملة واحدة هي السلوك والأفعال، ولتوضيح ذلك، فإننا نُجزى خيراً عندما نتخلص من أموال الربا، وفي المقابل فإننا نكون مذنبين عندما نأكل الربا، وكذلك الابتسامة، فإننا إذا استحقرنا إخواننا بابتسامة عابسة فإننا نأثم. وفي حادثة وقعت في محاكم مصر، فعندما نطق القاضي بإدانة المتهم، قام المتهم بعدها بالتصفيق والابتسام، وقال إن الحكم عادل، فعاقبته المحكمة على ذلك السلوك، وقالت في معرض منطوقها للحكم «إن ما قام به المتهم لهو ذم في هيئة مدح». فالاستهزاء بهيبة المحكمة جريمة يعاقب عليها القانون، ومن حق المحكمة اتخاذ الإجراءات القانونية لمعاقبة كل مخالف. وقد تربينا على أن الجلوس في المجالس له قواعده وآدابه، وأعني بالمجالس هنا تلكم التي يجلس فيها الرجال الموسومون بالسمت والوقار والاحترام، وليست مجالس الشباب التي يكثر فيها الهرج والمرج والضحك والسخافات، ففي المجالس الأولى يعد الضحك من المحرمات ويعاقب فاعلها بالطرد من المجالس. ومن قواعد «الإتيكيت» العالمي أن الضحك بصوت مرتفع وبشكل علني يعتبر مخالفة لتلكم القواعد، تلك القواعد تفرض طريقة لبقة في الضحكة والابتسامة، وهي تتفاوت في اللقاءات العامة والرسمية والعائلية والمناسبات، لذا فإن الضحك والابتسامة تحكمهما مجموعة من القوانين والأعراف والقواعد، بحيث يترتب على عدم مراعاتها ومراعاة ظروفها المحيطة أن يترتب عليها الجزاء، هذا الجزاء تتعدد صوره، فقد يُسجن مرتكبه أو يغرم أو يعاقب بعقوبات الطرد أو التوبيخ.
«عندما نطق القاضي بإدانة المتهم، قام المتهم بعدها بالتصفيق والابتسام، وقال إن الحكم عادل، فعاقبته المحكمة على ذلك السلوك».