الثغرة القانونية المشروعة..
لا يخلو أي عمل فني إبداعي أو أي عمل مادي صناعي من الثغرات، ويمكن القول بأن النقد الأدبي والفني والصناعي لا يقوم إلا على أكتاف تلكم الثغرات، ورغم أن وجود الثغرة هو أمر طبيعي لأن الناقص لا ينتج إلا ناقصاً فإن تحقيق الفوز أو تلقي الهزائم في أي مجال لا يمر إلا عبر استغلال الثغرات.
إن أي إنسان عادي قد يكون خبيراً في اكتشاف الثغرات، ويبقى رد فعله هو الجدير بالتأمل، فالثغرة قد تُستغل لتحقيق الفوز بطريقة مشروعة وقد يستغلها آخر لتحقيق مآرب أخرى.
«جهل بعض المستهلكين بحقوقهم القانونية قد يكون هو الثغرة التي يتمكن التاجر الفاسد من ولوجها ومن ثم غشهم». |
فمدرب كرة القدم يبحث عن الثغرة في دفاعات الفريق الخصم وحينما يكتشفها يكثف الهجوم في موضع الثغرة ويحقق الفوز، و«الهاكرز» يبحثون عن الثغرات الإلكترونية وحينما يجدونها يخترقون المواقع الإلكترونية المحصنة، وقد لا تتمكن كل الدفاعات الأمنية من صدهم لأن الثغرة موجودة دائماً في أي منهج بشري. وإذا تأملنا جرائم الغش التجاري نجد أنها تقوم على أكتاف الثغرات، فجهل بعض المستهلكين بحقوقهم القانونية قد يكون هو الثغرة التي يتمكن التاجر الفاسد من ولوجها ومن ثم غشهم.
إن محامي الدفاع يبحث دائماً عن الثغرة في قضية الاتهام، فإذا اكتشف ثغرة إجرائية واحدة فقد حقق لموكله النصر المبين، وأقرب مثال لذلك عند تفتيش منزل المتهم وضبط الممنوعات، فإذا تم التفتيش دون الحصول على إذن من النيابة، أو عدم مراعاة الضوابط القانونية الأخرى كأن لم يراعِ في تفتيش الأنثى أن تقوم بالتفتيش أنثى أخرى، فإنه يجهز على قضية الاتهام وينسفها من أساسها.
كذلك عندما يقوم المحامي بتقديم مستنداته إلى المحكمة بلغة أجنبية، وذلك على خلاف المادة الرابعة من قانون الإجراءات المدنية، وهو يدرك ذلك، وظناً منه أنه سيستطيع أن يطلب من المحكمة التأجيل لتقديم الترجمة القانونية، فإن ذلك قد يكون استغلالاً لثغرة قانونية، والشيء نفسه عندما يحضر أول جلسة ويطلب التأجيل للاطلاع على صحيفة الدعوى بينما كان في استطاعته أن يقوم بذلك سلفاً.
إننا نقف هنا أمام بعض الصور والنماذج لاستغلال الثغرة بطرق شرعية من دون أي مخالفة لقواعد القانون أو الأخلاق، ولكن هناك من الثغرات ما يتم فيها هدم القيم والقواعد والعبث بسلوكيات المهنة، وهؤلاء يرفعون شعاراً ينطوي على الميكيافيلية في التطبيق، باعتبار أن «الغاية تبرر الوسيلة».
مدير عام معهد دبي القضائي