العطر مؤذٍ وقد يستوجب التعويض
«إن العطر فنٌ حاله حال الموسيقى والرسم، يحتاج إلى الموهبة والذوق في صناعته»، هكذا وصف تشارلز كرونين العطر. ولقد نمت صناعة العطور بشكل ملحوظ، والتي انطلقت في بدايتها من منتجات منزلية بسيطة، تعتمد على الروائح الزهرية، حتى وصلت تلك الصناعة إلى 20 مليار دولار، اعتمدت على بيع مركبات عطرية للمستهلكين بجميع مستوياتهم. تلك المركّبات المستمدة من الطبيعة منذ مئات السنين، لكن الإبداع يتمثل في كون كل قنينة عطر تمثل لوحة فريدة من نوعها.
إن صناعة العطور مهددة من قبل المشرعين، لذا هبّ صنّاع العطور يتوسلون اللجنة الأوروبية للتراجع عن سن تشريعات من شأنها أن تقتل صناعتهم الجميلة، لأن النية تتجه نحو حظر استخدام بعض المحتويات المسببة للحساسية، ما يعني أن على شركات العطور أن تغيّر المركّبات العطرية للعلامات المشهورة، تلافياً لتلك المشكلة، وبالتالي فإن شانيل رقم 5 مثلاً ستتغير تركيبته التي انطلق بها منذ عام 1921، وكذا الحال بالنسبة لبقية الماركات الشهيرة، مثل عطورات ديور وجيرلين، التي ستضطر لتغيير تركيبتها، تماشياً مع التشريع المحتمل. «إذا قمنا بالتخلص من بعض المكونات العطرية ستكون نهاية العطورات الجميلة»، حسب السيدة فرانسوا مونتني، الرئيس غير التنفيذي لشركة شانيل.
اللجنة السالفة الذكر، استندت في مشروعها إلى أن ثلث سكان أوروبا يعاني الحساسية، أو أن معدل احتمال الإصابة بالحساسية من بعض العناصر المكونة للعطور يجعل سن مثل هذا القانون من الأهمية بمكان، كما أن كل مواطن من حقه أن يتمتع بالحماية، هذا ما أكد عليه أيان وايت رئيس اللجنة العلمية لسلامة المستهلك.
من منا لم يجلس بجانب شخص من شدة رائحته وكأنه غطّس نفسه في قنينة عطر كبيرة؟ الكثير منا يعطس عندما يشم رائحة عطر نفّاذة، وذلك مؤشر إلى تأثره أو ربما إصابته بالحساسية، وفي بيئة العمل تتكرر تلك المواقف، فنجد الموظفين يتفننون في وضع الروائح من دون أدنى مراعاة للآثار الصحية التي قد تسببها لبقية الموظفين، كما أن بيئة العمل يجب ــ وفقاً لقانون الموارد البشرية في دبي ــ أن تكون «آمنة وعادلة ومنصفة»، و«خالية من المضايقات والتمييز غير المبرر»، وفي اعتقادي، فإن المضايقات تتضمن المضايقات الصحية أيضاً. وبصورة أكثر وضوحاً نصت المادة (77) من قانون الموارد البشرية الاتحادي على أنه «يقع على عاتق الموظف والوزارة مسؤولية إيجاد بيئة عمل آمنة وصحية والمحافظة عليها».
وعليه فيجب أن يراعي المسؤولون عن الأعمال تلك النقطة، وأنا متيقن بأن نسبة ليست بسيطة من الموظفين اكتشفت إصابتها بالحساسية بسبب تلك الروائح. والقانون في هذه الحالة واضح: «كل إضرار بالغير يلزم فاعله بالتعويض».
مدير عام «معهد دبي القضائي»