آراء
مستشارك القانوني: ما أعلمه ولا تعلمه
كرجل قانون أجد بعض فئات المجتمع، يرسخ في ذهنها أن هناك مواد بعينها في القانون الجنائي، تتيح إفلات الجاني من العقاب.
وأندهش حين يخبرني متهم أنه يجب عليّ مخاطبة القاضي بنص المادة هذه أو تلك، لأن المشرع أعفاه من العقاب أو خفف عليه بموجبها، ويكون هذا التفسير أبعد ما يكون عن نص المادة أو الغرض منها!
ويتكرّر هذا الموقف مع المادة (42) من قانون مكافحة المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، الذي استند إليه البعض في التجاوز للتعاطي، معتقداً أنه سيفلت من العقاب، ما دفعني إلى مشاركة القارئ الكريم التجربة على أرض الواقع.
وتبسيطاً للأمر، فإن المشرّع الإماراتي في نص المادة سالفة الذكر، خصوصاً بعد التعديل الأخير، أجاز للمحكمة في غير حالات العود أن تحكم بدلاً عن عقوبة الحبس المنصوص عليها في المواد 39، 40، و41 فقرة 1 من القانون ذاته (وكلها نصوص تتعلق بتعاطي المادة المخدرة والمؤثر العقلي) إيداع الجاني إحدى وحدات علاج الإدمان، أو أحد مراكز التأهيل أو الغرامة التي لا تجاوز 10 آلاف درهم أو أحد أشكال الخدمة الاجتماعية،
فظن البعض، خصوصاً المتمرسين منهم، أنه بموجب هذا النص قد أفلت من العقاب ليبرر لنفسه التعاطي، دون الانتباه إلى كلمة «يجوز» التي أوردها المشرع في عجز المادة، والتي قيدها بأن يكون ذلك في غير حالات «العود» (والعود هو تكرار الفعل المجرم).
والحقيقة أن المشرع لم يهدف أبداً بهذه المادة إلى أن يفلت الجاني أو معتادي التعاطي من العقاب، بل إنها أتت في إطار تشريعي منضبط كرخصة لقاضي الموضوع في إطار خاص، أن يخفف العقوبة على من رأى من ظروف قضيته أن ما أوقعه في التعاطي كان ظرفاً خاصاً، وأن التعاطي تم مرة واحدة، وأن هناك ندماً حقيقياً من الجاني يظهر له من ظروف وملابسات الدعوى، يجعل القاضي يميل إلى تخفيف العقوبة عنه.
غير أن المادة (65) من قانون مكافحة المواد المخدرة كانت تقف حجر عثرة بين القاضي وتخفيف العقوبة، لأن قانون مكافحة المواد المخدرة سبق وأن سلب حق القاضي المنصوص عليه في قانون العقوبات بالنزول بالعقوبة، وفق ظروف الجريمة وخطورة الجاني بموجب المادة سالفة الذكر، وأوجب إنزال العقاب المنصوص عليه بلا رأفة.
ما سبق من جانب، ومن جانب آخر ومن التجربة العملية نجد أن المحاكم بدولة الإمارات العربية ــ في فهم صحيح وراسخ ــ لا تطبق هذا الاستثناء إلا في حالات نادرة، وبتطبيق شروطه بحذافيرها، فضلاً عن أن النزول بالعقوبة على النحو الوارد بالمادة (43) لا يسقط عقوبة الإبعاد الوجوبية لكل من لا يحمل جنسية دولة الإمارات، فتكون النتيجة، حتى ولو حكم بالغرامة (والتي يرجوها الجاني) إبعاد المتهم، فيخسر مستقبله بسبب تعاطي هذه المواد «الملعونة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news