محاكم المخدرات بين «نعم» أو «لا»
منذ نشأتها عام 1989 في فلوريدا بالولايات المتحدة، غيرت محاكم المخدرات آلية التعامل مع بعض قضايا المخدرات، وذلك من خلال توفير نهج تعاوني مع المعنيين يخضع للمراقبة القضائية، ويعزز صحة الأفراد وأمن وسلامة المجتمع ككل.
ونظراً لأن عنصر العلاج وإعادة التأهيل له عوائد أثبتتها الأرقام والإحصاءات التي تشير إلى أنه إذا حصل 10% من المدمنين على العلاج المناسب وإعادة التأهيل بدلاً من السجن يتم توفير ما يقارب خمسة مليارات دولار على نظام العدالة الجنائية.
وركزت محاكم المخدرات في فلوريدا على توفير العلاج وإعادة التأهيل تحت إشراف قضائي متخصص. وبعد انطلاقها وتحقيق نتائج إيجابية توسعت تلك المحاكم لتمتد إلى العديد من الولايات الأميركية والدول الأخرى مثل كندا وأستراليا والبرازيل بهدف التشجيع على العلاج، والتقليل من نسب الانتكاس وتخفيف العبء الاقتصادي الناجم عن الحبس والجرائم المتعلقة بالمخدرات. وتدار محاكم المخدرات من قبل فريق متعدد التخصصات من الجانب القضائي والصحي والاجتماعي كالقضاة والأطباء والاختصاصيين النفسيين وغيرهم. وعلى الرغم من اختلاف الخدمات التي تقدمها محاكم المخدرات والفئات المستهدفة مثل المراهقين والآباء تستند بشكل عام إلى نموذج شمولي يركز على التفاعل القضائي مع العناصر المختلفة في المنظومة مثل الإشراف والمتابعة والفحص الدوري، والتدخل المبكر واتباع نظام التحفيز والعقوبات في حال عدم الالتزام بالعلاج والتعليمات.
وأوضحت دراسات عديدة أن محاكم المخدرات حققت بعض الأهداف وراء إنشائها، حيث إن كُلفة إدراج الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط المطلوبة في محاكم المخدرات في الولايات الأميركية أقل بكثير من سجنهم، فعلى سبيل المثال تم احتساب الكُلفة التقديرية التي توفرها محاكم المخدرات من 4000 إلى 12 ألف دولار لكل شخص متمثلة في التقليل من تكاليف السجن والتقليل من الجرائم المتعلقة بالمخدرات.
ولكن يبقى الجدل قائماً بين الباحثين والمختصيين حول فاعلية محاكم المخدرات مقارنة بفاعلية مراكز العلاج وإعادة التأهيل للمدمنين. فوفقاً لبعض الدراسات فإن محاكم المخدرات لم تظهر أي تقدم ملحوظ في بعض المؤشرات التي تمت دراستها وتحليلها مقارنة بالذين تلقوا العلاج في المنشآت العلاجية مثل نسب الانتكاس التي كانت متقاربة بين المنتسبين للجهتيين.
وبالتالي فإن السؤال الحقيقي لا يكمن في إذا ما كانت محاكم المخدرات أفضل من السجون لبعض الأفراد المتورطين في بعض جرائم المخدرات كالتعاطي والحيازة وغيرهما، بل فيما إذا كانت محاكم المخدرات أكثر فاعلية صحياً واجتماعياً واقتصادياً في إدارة هذه الحالات من المنشآت العلاجية والتأهيلية؟
وفي ضوء قلة الدراسات ومحدوديتها في ما يخص مقارنة وتقييم فاعلية كل من محاكم المخدرات مع العلاج خارج هذه المنظومة، تعتبر محاكم المخدرات أحد النماذج المبتكرة في النظام القضائي.
ومن هذا المنطلق هل ستكون محاكم المخدرات المتخصصة أحد الحلول المبتكرة التي تتبعها الدولة في المستقبل القريب لتشجيع علاج وإعادة تأهيل المدمنين والتقليل من العبء الاقتصادي الناجم عن سجن البعض منهم؟