فلنحمِ الأطفال معاً
نسمع ونقرأ عن حوادث العنف والإساءة ضد الأطفال من أطراف مختلفة، لكن يظل العنف من قبل الوالدين على أبنائهما من أكثر الأنواع شيوعاً، ما يثير في أذهاننا تساؤلات عدة حول الأسباب أو الدوافع وراء هذا السلوك المرفوض، المجرّم قانوناً في معظم أشكاله.
هل من الممكن أن تتسبب الظروف والضغوط الاجتماعية التي ربما يعانيها بعض الآباء مثل البطالة أو الطلاق أو تعرضهم للإساءة في مراحل الطفولة؛ في ذلك؟ وهل ينتهي العنف المتبادل بين الزوجين إلى الاعتداء بالتبعية على الأبناء؟
هناك ما يثبت أن إصابة أحد الأبوين باضطرابات نفسية أو انخراطهما في تعاطي المواد المخدرة أو الإدمان على الكحوليات من مسببات الاعتداء على الأبناء، فضلاً عن الجهل بأساليب التربية الصحيحة أو انتشار المعتقدات الخاطئة المرتبطة بأن الشدة في التربية التي تصل إلى درجة الضرب أو الاعتداء؛ تساعد على تقويم سلوك الأبناء وتربيتهم بطريقة صحيحة.
العنف ضد الأطفال له صور عدة منها الجسدي والنفسي والجنسي، وربما يكون كما أشرنا من قبل الوالدين أو أحد أفراد الأسرة أو من البيئة المحيطة كالمدرسة أو المجتمع، وأثبتت الدراسات أن التعرض للعنف في مرحلة الطفولة يؤثر سلباً على صحة وجودة حياة الأطفال علاوة على الآثار المستقبلية المتمثلة على سبيل المثال في عدم القدرة على العمل، واضطرابات الذاكرة، وزيادة احتمالية السلوك العدواني.
وبما أن حماية الأطفال من العنف ترتبط بقطاعات مختلفة يتوجب تفعيل منظومة متكاملة تجمع ذوي الصلة من الأفراد والمؤسسات وكافة الجهات المعنية بالطفل، لضمان الوقاية والكشف المبكر، بالإضافة إلى إيجاد نظم الاستجابة متعددة الأوجه التي تلبي الاحتياجات الفردية بسرية وخصوصية تامة، وتوفر التدخلات المبنية على الأسس العلمية بعيداً عن العشوائية.
وأوضحت الأبحاث من مختلف دول العالم أن الأطفال في المراحل العمرية المبكرة حتى سن 18 سنة يكونون أكثر عرضة للعنف في منازلهم ومن الأشخاص المقربين لهم، ومن هذا المنطلق توجب التركيز على توعية المجتمعات بمفهوم العنف ضد الأطفال والآثار الناجمة عنه، كما أنه من المهم تثقيف الوالدين وإكسابهم المهارات اللازمة للتربية بعيداً عن أساليب الإساءة الجسدية أو اللفظية، وذلك لحماية الأطفال وتعزيز الروابط بين الأبناء والوالدين.
ومن هذا المنبر أوجه دعوة لمراجعة منظومة حماية الطفل تستند إلى آليات وقائية تستهدف الأسرة بجميع أطرافها حتى نترجم توجهات واستراتيجيات الدولة المعنية بحماية هذه الفئة إلى الواقع، ونرفع من مستوى الوعي لدى الأبوين وغيرهما من أفراد الأسرة، لأن بناء طفل سليم نفسياً في سن مبكرة، كفيل بتنشئة إنسان سوي مفيد لمجتمعه، ويجب أن تعتمد هذه المنظومة على بيانات مجتمعية دقيقة ودراسات عملية تركز على الجوهر وليس الأعراض فقط.