جريمة في «الحي الإلكتروني»
على الرغم من الجهود العالمية المبذولة للحد من ظاهرة التنمر بكل أشكالها، التقليدية اللفظية والجسدية والمعنوية، إلا أنه مع ظهور وسائل التقنية الحديثة، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وزيادة عدد مستخدميها، ظهر شكل جديد من التنمر أشد وطأة من غيره، وهو التنمر الإلكتروني، الذي يستخدم فيه المتنمر التقنيات الحديثة، خصوصاً على شبكات التواصل الاجتماعي.
وتتمثل خطورة التنمر الإلكتروني في أن المتنمر يكون عادة غير معروف للضحية، إضافة إلى أن مادة التنمر ذاتها تظل موجودة على الشبكة العنكبوتية، والأكثر خطراً أنها تنتشر انتشاراً سريعاً وواسعاً، ليس له حدود زمانية أو مكانية.
ويُعرف التنمر الإلكتروني بأنه «كل فعل إجرامي يلحق الضرر بالآخرين، مادياً أو معنوياً أو اجتماعياً أو نفسياً، وتُستخدم فيه وسائل التقنية الحديثة كأداة في ارتكاب الجريمة».
ومن أشكاله الاستعباد الإلكتروني، والتعليقات غير اللائقة أخلاقياً واجتماعياً على صور أو فيديوهات منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشر صور حقيقية أو معدلة، يبدو فيها الطرف الآخر في وضع لا يرغب في أن يشاهده الآخرون، أو نشر الشائعات والمعلومات عن الأشخاص بهدف الإساءة إليهم، وتشويه سمعتهم، أو نبذهم أو ابتزازهم أو نشر مشاركات تسيء إلى الآخرين، وتحض على نشر الكراهية أو التمييز بينهم، بسبب اللون أو الجنس أو العقيدة أو الموطن.
ونظراً للآثار السلبية لتلك الجريمة، حرص المشرّع الإماراتي على تغليظ عقوبتها، في ضوء ما تضمنه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم (5) لسنة 2012 وتعديلاته، الذي نص في المادة (20) على أنه «يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تجاوز 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء من قبل الآخرين، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية المعلومات».
وما ورد بالقانون رقم (2) لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، ونص في المادة (5) على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن خمس سنوات، وبالغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب فعلاً من شأنه إحداث أي شكل من أشكال التمييز بإحدى طرق التعبير أو باستخدام أية وسيلة من الوسائل»، وما ورد بنص المادة (7) من القانون ذاته «بمعاقبة كل من ارتكب فعلاً من شأنه إثارة خطاب الكراهية بذات العقوبات السابقة».
وختاماً، يجب التأكيد على جوانب مهمة، لأن التنمر من أخطر الجرائم السلوكية التي تترك أثراً عميقاً في نفوس ضحاياها، خصوصاً من الأطفال والمراهقين، وأبرز هذه الجوانب متابعة الأبناء، خصوصاً على شبكات التواصل، للتأكد من عدم استهدافهم من قبل متنمرين، إضافة إلى ضرورة التصرف بحذر، والانتباه إلى سلوكياتنا جيداً، فكلمة بسيطة نكتبها أو نلقيها على سبيل السخرية أو احتقار الآخرين ربما تضعنا تحت طائلة القانون كمتنمرين، بقصد أو دون قصد، وللأسف هذا النمط من الجرائم متكرر الآن في «الحي الإلكتروني»!