تعديلات جوهرية لتعزيز الردع الوقائي
تواكب التعديلات الجوهرية، التي أحدثها المشرّع على بعض البنود في قانون العقوبات، التطورات المتلاحقة والظروف المستجدة التي تحتم التطوير، وتجعله أمراً ملحاً، كونه شكلاً من أشكال النمو والازدهار، وبالتالي لابد للقوانين أن تشهد تعديلات أو تغيرات، تبعاً للحالة القضائية التي تصفها، أو الواقعة القانونية التي تتناولها.
وبرع المشرّع الإماراتي في هذا الجانب، بوضعه للقوانين ومواكبته للتطورات والمتغيرات التي يشهدها العالم، فما كان يصلح من أعوام قليلة، يبدو اليوم أكثر حاجة إلى تعديلات تواكب التطور الذي طرأ خلال تلك الفترة الزمنية، وتنسجم مع روح المجتمع وقيمه، فيأتي التعديل بتخفيف العقوبة أو تغليظها وفق رؤية واضحة، ودراسة مستفيضة، يرى المشرع أنها تخدم توجهات واستراتيجيات السلك القضائي، الذي ينشد العدالة على الدوام.
فعلى سبيل المثال، نجد المشرّع، اليوم، يخفض عقوبة من أتى علناً فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء، لتكون العقوبة بالغرامة المالية، بدلاً من الحبس للمرة الأولى، إذ خلا نص القانون سابقاً من أن تكون الأولوية في العقوبة للغرامة المالية، حيث كانت الحبس ستة أشهر، ما يعني أن المشرع ارتأى أن يجعل العقوبة الأولى بمثابة عقوبة تحذيرية، لعدم تكرار الفعل، الأمر الذي يدل على حرص المشرع على العمل في إطار التطور الطبيعي للمجتمعات، وفي ظل الاستراتيجية الوطنية التي تؤمن باختلاف الثقافات، وتأخذها بعين الاعتبار.
هذا هو دأب المشرّع في دولة الإمارات، الساعي دوماً إلى جعل السلك القضائي منبراً مشعاً للعدالة، حيث لا ينأى بنفسه عن روح القانون، ولا يخرج عن قناعات وتوجهات الدولة، التي باتت تشريعاتها القانونية نموذجاً عالمياً، وما التعديل الذي طرأ على عقوبة مرتكب فعل «خدش حياء أنثى»، إلا تعبير واضح عن فهم المشرّع ووعيه، لضرورة هذا التعديل الذي ينص على عقوبة من يتعرض لأنثى، على وجهٍ يخدش حياءها، أو يتنكر لدخول مكان خاص بالنساء، بالحبس لمدة لا تزيد على سنة، وغرامة لا تجاوز 100 ألف درهم، عوضاً عن 10 آلاف درهم كانت قبل التعديل.
ولو تتبعنا المنظومات القانونية في مختلف المجتمعات، لوجدناها تتفق حول ضرورة التطور ومواكبة المتغيرات بما يخدم الصالح العام، ولوجدناها ترى في العقوبة المشددة واحدة من الأدوات الرادعة لبعض الجرائم، وكفيلة بالقضاء عليها، باعتبارها وسيلة لتعزيز الشق الوقائي، كونه يجعل من يسعى إلى ارتكاب هذا الفعل، يأخذ في حسبانه العقوبات المترتبة، والغرامة المالية الملزمة في حال ثبوت الفعل الجرم.
وفي المحصلة، إن المشرّع الإماراتي يعزز المنظومة القضائية بالتعديلات الجوهرية في بعض مواد القانون، الأمر الذي يعكسه التطور الهائل الذي تشهده الترسانة القانونية، ما يعزز بدوره ريادة الدولة، ويؤكد مكانتها كعاصمة عالمية للتسامح والتعايش، وحاضنة آمنة لجميع مكونات المجتمع الإماراتي، واضعةً إياهم جميعاً في كفتي ميزان أساسه العدل.