آراء

هل الاعتراف سيد الأدلة؟

درجنا على سماع عبارة «الاعتراف سيد الأدلة» كثيراً، خصوصاً في السينما والدراما، لكن هل هذه العبارة دقيقة قانوناً؟

يجب أن نوضح في البداية أن «الاعتراف» كوسيلة من وسائل الإثبات في القانون الجنائي يزخر بتاريخ حافل بالتقلبات عبر العصور، وربما كان في الماضي غير البعيد سيد الأدلة بالفعل، لكن اختلف الوضع في الوقت الراهن.

ماضي «الاعتراف» مثقل بالأوزار في الفترة من القرن الـ12 الميلادي، وصولاً إلى منتصف القرن الـ18، إلى أن شكلت الثورة الثقافية التي شهدتها أوروبا منعطفاً حاسماً ومحورياً في كشف عيوب الاعتماد عليه فقط، في ظل التعسف في انتزاع «الاعتراف» بوسائل قسرية، وما ترتب على ذلك من مآسٍ إنسانية، إلى أن تمكنت دول عدة، بحكم التطور الحضاري والإنساني، من وقف هذه الأساليب القاسية في الحصول على «الاعتراف»، وشرع القضاء في تكييف أحكامه وفق منظور حديث عادل، وأقر قاعدة أن «اعتراف المتهم بالجريمة المنسوبة إليه يتعين وجوباً أن يصدر عن إرادة حرة بعيدة عن أي ضغط مادي أو معنوي».

وواكبت الأنظمة القانونية تطور الحضارات، وتعددت وتنوعت طرق الإثبات، وحدثت طفرة في استخلاص الأدلة الجنائية والطب الشرعي والشهود والخبرة والقرائن، وصولاً إلى وسائل التكنولوجيا الحديثة، وصار بإمكان القاضي الجنائي عدم التقيد بدليل معين، ومنح السلطة التقديرية، فله أن يأخذ من الأدلة ما يطمئن إليها ويطرح ما سواها، وفقاً لمبدأ حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته.

وفي هذه المرحلة لم يعد «الاعتراف» سيد الأدلة، بل أصبح مساوياً لوسائل الإثبات الأخرى، ويعد فقط دليل الإثبات الأول إذا تحققت شروط سلامته، وهي «صدوره عن إرادة حرة واعية وفقاً لإجراءات صحيحة، وأن يكون مطابقاً للواقع في الدعوى»، وهذه زاوية بالغة الأهمية، إذ لا قيمة لـ«الاعتراف» إذا كان مخالفاً للدليل الفني القاطع، كتقرير الأدلة الجنائية أو الطب الشرعي.

كذلك، لا يعتد بالاعتراف الذي تم لقاء مقابل مادي لتبرئة المجرم الحقيقي، أو الاعتراف انتقاماً ونكاية في الآخرين، أو إضراراً بهم حين يدعي المتهم تحريضهم له أو اشتراكهم معه، أو الاعتراف بطريق الخطأ، أو كان الهدف منه حماية شخص وثيق الصلة بالمتهم، كاعتراف الأم بجريمة ما لإبعاد التهمة عن ابنها «مرتكب الجريمة».

وكما أن الاعتراف أحد أسباب العقوبة، إلا أنه قد يكون سبباً من أسباب الإعفاء منها في بعض الجرائم التي ترتكب في الخفاء، تشجيعاً للجناة على كشفها، وإرشاد السلطات إلى المساهمين فيها، كما هو الحال في جريمة الرشوة، حسب المادة 239 من قانون العقوبات الاتحادي، التي تنص على أنه «يعفى الراشي أو الوسيط إذا بادر بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية عن الجريمة قبل الكشف عنها». في النهاية، ترتبط سلامة الاعتراف وصحته ارتباطاً وثيقاً بكفالة الوصول إلى العدالة بوسائل وإجراءات قانونية صحيحة، وهو الهدف من الإثبات.

تويتر