مساءلة آباء الطلبة المتنمرين
شكت الأم تعرض ابنها للتنمر على أيدي عدد من زملائه في المدرسة، الذين شكلوا «شلة»، يستقوي كل من أفرادها بالآخر، ويستهدفون ضحية مختلفة كل فترة!
وقالت الأم إنهم يسخرون من ابنها، ويعتدون عليه أحياناً، دون موقف يذكر من إدارة المدرسة، سوى تحذير شفوي أو توبيخ ناعم للتلاميذ المتنمرين، باعتبار أنهم وضحاياهم أطفال لا يدركون تبعات أفعالهم!
شكوى الأم أثارت غضب أمهات الأطفال المتنمرين، اللاتي ترجمن هذا الغضب إلى تجاوز ضمني على الأم عبر جروب الأمهات بتطبيق «واتس أب»، وهو رد الفعل الذي صدمها، وجعلها تدرك جيداً أن البيئة المنزلية لهؤلاء الأطفال تشجعهم على أفعالهم.
وهنا مربط الفرس لهذه المعضلة الكبيرة، فكثير من الآباء، خصوصاً ذوي الطلبة المتنمرين، يعتقدون أن تصرفات أبنائهم تعبّر عن جرأة وقوة، ودليل على أنهم أكثر شجاعة من غيرهم، غير مدركين تبعات هذه القناعة على أبنائهم أنفسهم.
فالطفل المتنمر، كما تؤكد الدراسات والأبحاث، معرّض للجنوح والانحراف أكثر من غيره، لاعتقاده منذ الصغر أنه مميز عن أقرانه، ولديه القدرة على فعل أي شيء، ولو كان مضراً أو مؤذياً، مثل تعاطي المخدرات، على سبيل المثال.
لكننا هنا معنيون في المقام الأول بالحديث عن حقوق الضحايا، وكيفية توفير الحماية اللازمة لهم من أذى المتنمرين، ومن هذا المنطلق يجب أن يدرك الآباء أن دولة الإمارات اتخذت خطوات مهمة في هذا الجانب، فأطلق المجلس الأعلى للأمومة والطفولة برنامج الوقاية من التنمر، بعد مراجعة أكثر من 13 برنامجاً دولياً ناجحاً.
وخصصت الدولة أسبوعاً من كل عام، أطلقت عليه «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر»، تنفذه وزار التربية والتعليم بالتعاون مع المجلس، وبمشاركة أكثر من 20 جهة محلية واتحادية، لرفع الوعي بمخاطر هذا السلوك.
واستناداً إلى القوانين والتشريعات الصادرة عن الدولة، وقرارات مجلس الوزراء، صدر القرار الوزاري 851 لسنة 2018 بشأن لائحة إدارة السلوك الطلابي في مؤسسات التعليم العام، الذي اعتبر أن التنمر هو أي شكل من أشكال الإساءة والإيذاء المتعمد، النفسي أو الجسدي أو اللفظي أو الإلكتروني، ويشمل الترهيب أو التهديد من قبل طالب أو مجموعة من الطلبة نحو طالب واحد أو أكثر، أو نحو العاملين بالمدرسة.
وفي ظل ما توفره الدولة من حماية قانونية، يحل دور الآباء في دعم أبنائهم بكل قوة وشجاعة، وعدم التردد في اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لوقايتهم من التنمر، سواء باللجوء إلى الجهات المختصة، مثل وزارة التربية أو غيرها من الجهات ذات الصلة، إذا شعروا بأن إدارات المدارس لا تتصدى بحزم كافٍ للمتنمرين، لأن صمت الآباء، لتخوفهم من التصعيد ضد أبنائهم، يزرع في الأولاد الخوف طوال حياتهم، ويدفعهم إلى مهادنة المتنمرين والخضوع لهم، ويلحق أضراراً بالغة بصحتهم العقلية وقدرتهم على التعلم.
وأرى أن من الضروري إيجاد صيغة لمساءلة ذوي الطلبة المتنمرين قانونياً، إذا ثبت أن سلوكياتهم وليدة البيئة التي ينشأون فيها!
مستشار قانوني أول