شركاء الأمس.. خصوم اليوم
يجب أن نتوقف ملياً عند الدعاوى القضائية التي يتحوّل فيها المحامي إلى خصم لموكله، لسبب وحيد وهو تهرب الأخير من سداد الأتعاب، وهي مسألة قانونية مهمة يجب مناقشتها بتجرد، خصوصاً أن المشرع الإماراتي حرص على تناولها بشيء من التفصيل، حتى يلتزم كل طرف بواجبه ولا يتغول على حقوق الآخر أو يتهرب من الوفاء بها.
بداية، يجب الإشارة إلى أن القانون درج على وصف ما يتقاضاه المحامي من مقابل لعمله بـ«الأتعاب» وليس الأجر أو الثمن، تقديراً للجهود التي يبذلها بكل إخلاص وتفانٍ -حسب الواجب المنوط بكل محامٍ-،وتناولت المواد 29 و32 و33 من القانون الاتحادي رقم 23 لسنة 1991 هذه المسألة، مشيرة إلى أن الأصل هو تقاضي المحامي أتعابه وفق العقد المحرر بينه وبين الموكل، لكن أجاز المشرع للمحكمة التدخل لتحديد أتعاب المحامي في حالتين:
الأولى، عدم وجود اتفاق مكتوب بين المحامي والموكل، ويشترط في هذه الحالة أن تكون المحكمة قد نظرت فعلياً القضية المختلف على أتعابها، واستقر في يقينها أن الأتعاب مبالغ فيها ومن ثم تتدخل بناء على طلب الموكل.
أما الحالة الثانية، فتقع حين يبطل الاتفاق الموقع بين المحامي والموكل لسبب أو لآخر، فيجوز للمحكمة التدخل بناء على طلب أيهما، وتقدر الأتعاب بناء على تقديرها للجهد الذي بذله المحامي ومقدار ما عاد به من نفع على الموكل، تحقيقاً للعدالة وإنصافاً للطرف صاحب الحق.
وفي ما عدا الحالتين لا يجوز التهرب من سداد الأتعاب التي تم الاتفاق عليها بشكل قانوني بعد انتهاء المحامي من عمله.
وتقديراً لأهمية مهنة المحاماة وتقديراً لدورها في الدفاع عن الحقوق، قرّر المشرع أن أتعاب المحامي وما يترتب عليها من مصروفات، حق امتياز له، تلي حقوق الدولة مباشرة، وفق ما آل إليه عمل المحامي، والحكم الذي صدر في الدعوى المختلف على أتعابها.
ومن الإشكالات التي يواجهها المحامون عادة مراوغة بعض الموكلين وسعيهم إلى عزل المحامي قبل انتهاء العمل وتقاضي مستحقاته، لكن المشرع تنبه إلى ذلك، فألزم الموكل -حسب المادة 33 من القانون المشار إليه- بسداد كامل الأتعاب المتفق عليه، كما لو كان المحامي أنهى العمل المنوط به، بشرط أن يكون الموكل عزل محاميه دون سبب مشروع أو وجيه بعد مباشرة العمل بموجب التوكيل الذي حرّره له.
لقد تكرّرت هذه الدعاوى بشكل لافت في الآونة الأخيرة، لذا من الضروري أن يعي كل طرف ما له وما عليه، حفاظاً على العلاقة الصحية بين طرفين يفترض أن تُبنى علاقتهما على أساس من الثقة والصدق والالتزام، فيقوم المحامي بواجب في الدفاع عن حق موكله، ويتحلّى الموكل بالأخلاق ذاتها التي أظهرها حين لجأ إلى المحامي ووكله عن نفسه.
محكم ومستشار قانوني