إذا خاصم فجر!
تختلف دعاوى الأحوال الشخصية عن غيرها من القضايا، فهي تمس العمق النفسي والاجتماعي والعاطفي لطرفيها، ويمتد تأثيرها لأطفال يدفعون غالباً ثمن عناد الأبوين وتعنتهما في الخصومة، وتحولهما من شريكين تحكمهما العشرة والمودة إلى عدوين يفتك كل منهما بالآخر!
وعلى الرغم من أننا بحكم المهنة صرنا معتادين على كثير من هذه المواقف، يظل سلوك بعينه أسوأ ما يمكن أن نصادفه في الدعاوى الشخصية، هو جنوح أحد الطرفين إلى النَيل من الآخر باتهامات تمس الأخلاق أو السمعة، دون مراعاة لتأثير ذلك في نفسية الأبناء، وما يترتب عليه من تشهير وإساءة.
وما أسوأ أن ينقلب عليك أقرب الناس إليك، فالزوج أو الزوجة بحكم الحياة الزوجية يعرفان أدق التفاصيل عن الآخر، وحين يقع الخلاف لا يتورع البعض عن كشف ما ستر بحكم الميثاق الغليظ الذي كان بينهما، بل ربما يتطور إلى الطعن والخوض في الأعراض لإثبات الضرر أو الفوز في معركة القضاء!
ومن الحكمة البالغة ما تضمنته المادة 12 من دليل الإجراءات التنظيمية في مسائل الأحوال الشخصية بمحاكم دبي، التي تلزم الموجه الأسري بعدم إبلاغ أي من طرفي الخلاف بما تعرض له من سب أو إساءة أو تحقير من الطرف الآخر، حفاظاً على فرص الصلح، وحتى لا يتفاقم الخلاف.
ولا شك أنه في ظروف أخرى يعاقب القانون بشكل رادع على جريمة السب والقذف، فبحسب المادة 427 من قانون العقوبات، «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تزيد على 5000 درهم، إذا وقع القذف أو السب بطريق الهاتف، أو في مواجهة المجني عليه وبحضور غيره، وتكون العقوبة الغرامة 5000 درهم إذا وقع القذف أو السب في مواجهة المجني عليه، وفي غير حضور أحد أو في رسالة بعث بها إليه بأي وسيلة كانت».
وهكذا اشترط القانون علانية الجريمة، ونص في المادة 429 من القانون ذاته على أنه «لا جريمة في ما يتضمنه دفاع الخصوم الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم أو جهات التحقيق من قذف أو سب في حدود حق الدفاع».
بشكل عام، أرى ضرورة إيجاد نوع من الردع لمثل هذه السلوكيات من جانب طرفي الخلافات الشخصية، خصوصاً لو خرجت الاتهامات من خلف الأبواب المغلقة، وأقترح تطبيق النصوص المشار إليها سلفاً من قانون العقوبات على من يتورط في الإساءة إلى الآخر بالسب أو القذف أو التشهير، فمن لا تمنعه أخلاقه عن التجاوز يردعه القانون.
توجز الآية الكريمة (229) من سورة البقرة، «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، ببلاغة رائعة، الأساس الإنساني للرابطة الزوجية، لذا يجب أن نستوعب جوهر هذه الآية، ويدرك الجميع أن الزواج علاقة شراكة، إما أن تستمر بكل احترام وإلمام بالحقوق والواجبات، أو تنتهي بالتحضر ذاته، تقديراً لما كان بين طرفيها بالأمس من مودة وحب، ومراعاة لمستقبل الأبناء ومشاعرهم.. فاستقيموا يرحمكم الله.
محكم ومستشار قانوني