قناعة صادمة!
يرى البعض أن هناك مبالغة في الحديث عن «التنمر»، وأن المصطلح أصبح مبتذلاً، ويستخدم في وصف سلوكيات عادية لا تمثل اعتداءً أو تجاوزاً.
ونصطدم بهذه القناعة في ردود أفعال آباء لتلاميذ يمارسون التنمر على زملائهم بشكل أو بآخر، إذ يدافعون بشراسة عن أبنائهم دون محاولة فهم أو استيعاب ما حدث، معتبرين أنهم مجرد أطفال وليس ذنبهم أنهم أقوى وأكثر جرأة واندفاعاً من أقرانهم.
هذه زاوية مختلفة في مسألة مهمة، لأنها تمس قناعة أشخاص بالغين يرون أن «التنمر» لا يستحق الجهد المبذول لمكافحته أو التوعية به.
وهذا يقودنا بالتبعية إلى تخيل سلوك طفل يتبنى والده أو والدته هذه القناعة، إذ هما بلا شك يوفران بيئة خصبة لتنشئة متنمر نموذجي، دون أن يدركا تبعات ذلك على شخصيته في المستقبل.
لا أفضل عادة تكرار التحذيرات أو رسائل التوعية، فالإخصائيون الاجتماعيون والنفسيون يقومون بدور رائع في هذا الجانب، لكن أعتقد أن هناك ضرورة لإعادة النظر في بعض القناعات الخاطئة، وتثقيف الآباء قانونياً حول تبعات هذه السلوكيات التي قد يتورط فيها أبناؤهم.
ويكفي - بحسب البحوث الحديثة ودراسات الحالة - أن احتمالات جنوح الطفل المتنمر في المستقبل، أكبر كثيراً من أقرانه، لأن ذويه رسخوا فيه منذ صغره أنه مميز عن غيره، لذا يبحث دائماً عن دور الزعامة، الذي قد يقوده إلى ارتكاب تجاوزات أو جرائم.
حين يراجع كل منا نفسه سيكتشف أن هناك موقفاً تعرض له، أو عبارة سمعها في طفولته لاتزال غائرة في نفسه، وكلما تذكرها شعر بالألم، دون أن ندرك وقتها أن هذا هو التنمر.
يجب أن نستوعب أن الزمن تغير، وصار تأثير التنمر على أطفالنا أكثر خطورة وتدميراً، في ظل تنوع مصادره، سواء في حياتهم الواقعية، أو افتراضياً عبر السوشيال ميديا والألعاب الإلكترونية، وفي ظل انشغالنا من جانب، وانغلاقهم على أنفسهم من جانب آخر، فإن اكشاف المشكلة أصبح صعباً.
جهود الدولة في مكافحة التنمر لا تعد ولا تحصى، فقانون حماية الطفل يوفر في جميع مواده الحماية الكاملة لهذه الفئة.
وتتطرق لائحة السلوك الطلابي الصادرة بموجب القرار الوزاري رقم 851 لسنة 2018 بنص صريح يتضمن تعريف التنمر، وأشكاله داخل المدرسة، بل إن هناك وحدة مختصة لحماية الطفل بوزارة التربية والتعليم.
كما أن الجهات ذات الصلة مثل وزارة الداخلية والنيابة العامة وأجهزة الشرطة والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة، تتبنى برامج وحملات دورية لتوعية الطلبة وتحصينهم من التنمر.
ويتبقى أن ندرك كآباء، أن هذه الجهود الكبيرة ليست رفاهية أو إثبات موقف، لكنها إدراك جاد وصادق لمخاطر التنمر، لذا يجب أن نتحلى بالمسؤولية ولا نستخف بسلوك يضر بالصحة العقلية للأطفال وقدرتهم على التعلم، ويصاحبهم طيلة حياتهم.
وبالمناسبة لا تقتصر المخاطر على الضحايا فقط، لكنها تمتد إلى المتنمرين أيضاً، والمستقبل خير شاهد.
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news