متى أتوقف عن تضليل نفسي؟!
هناك جانب نفسي في شخصية ضحايا الاحتيال، خصوصاً الذين يقعون في فخ أساليب ساذجة، لا يقبلها عقل أو منطق، هو تضليل النفس وخداعها، وإحباط كل محاولات العقل لرفض الإغراء، وكأن الضحية يحتال على نفسه، وليس النصاب.
لا شك أن الطمع سمة مشتركة في غالبية ضحايا النصب، لذا يكونون صيداً سهلاً للمحتالين الذي يلعبون على هذا الوتر، بإغراء الشخص المستهدف بمكاسب خيالية وفرص سريعة للثراء. لكن بعيداً عن الطمع هناك حالات وقضايا يكاد المحتال فيها يمل من سذاجة الضحية.
ومن الحالات التي تستحق التأمل، شخص يتمتع بقدر كبير من الثقافة والوعي، شاهد إعلاناً ترويجياً على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي لأحذية شهيرة تباع بنصف سعرها تقريباً، وبعد تردد كبير ارتكب خطأ فادحاً وسجل بيانات بطاقته البنكية بقصد شراء عدد منها، وأدرك لاحقاً أنه سقط في الفخ، وتمت سرقة بيانات بطاقته الائتمانية وسحب مبلغ كبير منها قبل أن يجمدها.
وحين سألته عن سبب ارتكابه هذا الخطأ الساذج رغم إلمامه بمثل هذه الأساليب الاحتيالية، قال لي شيئاً غريباً هو موضوع هذا المقال.
أفاد بأن صوتاً بداخله حذره مرات عدة، لكنه قاوم صوت العقل ولام نفسه بقسوة بسبب التلاعب به وليس نتيجة خسارته المالية، مصوراً ما حدث بأنه كالذي احتال على نفسه، غير مصدق أنه جلب بطاقته وسجل بياناتها في موقع مشبوه رغم كل ما يتمتع به من خبرات.
كان المحتالون في السابق يعانون نسبياً في التواصل مع ضحاياهم، لكن في ظل ثورة الاتصالات وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المجرم وضحيته في مركب واحد، بل وفرت هذه الشبكات معلومات كاملة للمحتال عن ضحيته، فيدرسه جيداً ويراقب أنشطته وأفكاره وسلوكياته، ثم يختار المدخل المناسب له.
تماماً كما حدث مع رجل نظرت قضيته أخيراً، استدرجته امرأة بأسلوب ساذج، فأقنعته بأنها تملك ثروة من الذهب وتريد تخليصها جمركياً ولا تحتاج سوى 50 ألف درهم.
وبعد تردد قمع صوت العقل أيضاً ودفع لها المبلغ، لكن المذهل أنه لم يتوقف عند هذه المرحلة، بل واصل تحويل النقود إليها، وسدد دفعات نقداً، حتى وصل إجمالي المبالغ التي دفعها نحو 200 ألف درهم، دون أن يجيب عن سؤال أثير بداخله في كل مرة، هو: «متى أتوقف عن تضليل نفسي؟!».
غالبية ضحايا الاحتيال يلومون أنفسهم بعد سقوطهم في الفخ، بل يعزف عدد غير قليل منهم عن إبلاغ الشرطة لشعورهم بالحرج من شرح ما حدث، وأذكر أن أحدهم كان يلطم ووصف نفسه بالغبي وبأوصاف أخرى لا يليق بالمقام ذكرها، لأنه قاوم منذ البداية صوتاً حذره من العواقب التي يدفع ثمنها الآن بعد خسارة كل مدخراته.
جهات إنفاذ القانون في دولة الإمارات والتشريعات الحديثة توفر الحماية الكاملة من هؤلاء المجرمين، لكن من يحمينا من أنفسنا؟!
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news