عاقبة الاستعلاء
كانت صدمة الأب بالغة حين تصفح حساب ابنته المراهقة على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي الشهيرة، فالفتاة التي لم تتجاوز الـ16 من عمرها، تصور وتنشر مقاطع فيديو، تظهر فيها بملابس غير محتشمة وتؤدي حركات غير لائقة!
وقف الأب عاجزاً مرتبكاً أمام الفتاة المتحدية، وحاول قدر إمكانه التصرف بحدة، مستخدماً لغة التهديد والوعيد، لكنه فوجئ بإصرارها على أنها لم ترتكب أي خطأ، وأن قريناتها يفعلن المثل، ولا يجب أن يكون رجعياً أو متخلفاً، وأن هذه الفيديوهات قد تكون بوابتها للشهرة والثراء والاستقلال عن الأسرة، بل هددت بترك المنزل، ما دفعه في النهاية إلى اللجوء إلى إحدى المؤسسات الاجتماعية لمساعدته في احتوائها وإعادتها إلى طريق الصواب!
إن الهوس بالشهرة أصبح أحد أمراض هذا العصر في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي، التي أتاحت للكثيرين تحقيق الانتشار السهل السريع، دون النظر إلى الطريقة أو الوسيلة التي يستخدمونها للوصول إلى غاياتهم!
ومن النماذج الصارخة على ذلك، قضية الآسيوي الذي ظهر أخيراً على شبكات التواصل الاجتماعي مرتدياً الزي الإماراتي داخل أحد معارض السيارات الفارهة، يتبعه شخصان يحملان لوحاً تظهر عليه مبالغ مالية طائلة، طالباً بأسلوب استعلائي شراء سيارة يزيد ثمنها عن مليوني درهم!
ربما يمر هذا المشهد مرور الكرام في دول أخرى، لكن ليس في الإمارات، إذ أمرت النيابة الاتحادية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية بحبسه احتياطياً، بعد أن وجهت له تهماً منه بث دعايات مثيرة للرأي العام، نشر محتوى لا يتوافق مع الكود الإعلامي، والإساءة إلى المجتمع الإماراتي.
ليست هذه الحالة الأولى من نوعها، فقد ظهر في فيديو سابق شخص أجنبي من أصول عربية وهو يرمي رزماً من النقود فئة الدولار عبر نافذة سيارة فارهة يقودها في إمارة، متباهياً بتصرفه أمام الآخرين، وكان مصيره الحبس والغرامة، خصوصاً بعد اكتشاف أنه مليونير مزيف يرمي نقوداً مزورة!
وسبقه إلى المصير ذاته أوروبي لجأ إلى زيادة متابعيه بهذا الأسلوب الوضيع، فاختار منطقة صناعية ينتشر بها العمال البسطاء، ليرمي إليهم أوراقاً نقدية من عملة اليورو المزيفة كذلك، معبراً بغرور وغطرسة عن ثراء وهمي، ومتعالياً على الآخرين بطريقة مهنية وغير إنسانية!
إن رد فعل الدولة – ممثلة في النيابة الاتحادية – بواقعة الآسيوي داخل معرض السيارات، لم يأت بسبب ارتدائه الزي الإماراتي أثناء ارتكاب جريمته، وإن كان هذا كافياً لمحاسبته، لتعمده الإساءة إلى شعب يتسم بالكرم والتواضع، بدليل مساءلة المتهمين في الواقعتين الأخيرتين.
الدولة تحافظ بذلك على إطار أخلاقي حاكم لتصرفات الجميع على شبكات التواصل الاجتماعي، في ظل الفوضى التي تسود هذه المنصات، والجنون الذي أصاب البعض ودفعهم إلى التصرف بطريقة صادمة في كثير من الأحيان لتحقيق الشهرة أو الثراء، حتى لو كان بالاستعلاء على الآخرين.
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news