لحظة انكسار

بدا شارداً على غير عادته، واختفت الابتسامة التي لم تكن تفارق وجهه.

فضّلت في البداية منحه المساحة الشخصية لتجاوز أمر ما يؤرقه، على أمل أن تكون مشكلة عابرة، أو إحدى منغصات الحياة المؤقتة، لكن الوضع زاد سوءاً بمرور الوقت، وشعرت بأنه يحمل همّاً ثقيلاً أفقده تركيزه، وظهر على ملامحه وتصرفاته.

سألته عما حدث، وهل يمكنني تقديم المساعدة، فارتبك في البداية وتردد في الحديث عن المشكلة، لكن مع إصراري من جانب، وحاجته إلى المساعدة من جانب آخر، أفصح عما وصفها بكارثة حلّت بأسرته، سببها ابنه البالغ 18 عاماً الذي اكتشف أنه يتعاطى نوعاً لا يعرفه من المخدّرات.

مهما تحدثنا نظرياً عن حلول هذه المشكلة، فمن الصعب التخفيف من صدمة أب أو أم حين يكتشفان سقوط ابنهما في هذا الفخ المدمّر، فنحن مهزومون أمام انكسارات أبنائنا وخساراتهم، ويمكننا مقاومة مصاعب الحياة بشجاعة وصبر، لكن تخور قوانا في ما يتعلق بأطفالنا، لأنهم الطموح والأمل وزينة الحياة. استمعت إليه جيداً واحترمت دمعات فشلت عيناه في حبسها، ثم سألته: وماذا بعد؟

صمت قليلاً فأكملتُ أن المشكلة حدثت بالفعل، فإما أن تواصل الانهيار وتصبّ اللعنات على ابنك، أو تبدأ رحلة العلاج التي تستلزم كثيراً من القوة والصبر والإيمان. بحكم عملنا صادفتنا حالات عدة لشباب قادهم هذا الخطأ إلى السجن، ومنه إلى رحلة ظلامية بدأت بتجربة بائسة، على سبيل الفضول، مع أصدقاء سوء، وانتهت بجرعة زائدة أو فترة أطول داخل السجون.

وما تبذله دولة الإمارات في هذا الجانب جهد جدير بالاحترام والتأمل، فقانون مكافحة المخدّرات تغير جوهرياً، وفق التعديلات الأخيرة بالمرسوم رقم 30 لسنة 2021، الذي رسّخت بنوده ثقافة التعامل مع متعاطي المخدرات باعتباره مريضاً يستحق الرعاية والاهتمام. وبحسب المادة 89 من القانون «لا تقام الدعوى الجزائية على متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، إذا تقدّم من تلقاء نفسه أو زوجته أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، أو من يتولى تربيته، إلى الوحدة أو النيابة العامة أو الشرطة قبل ضبطه، أو قبل صدور أمر بالقبض عليه، طالبين إيداعه للعلاج لدى الوحدة فيودع لديها إلى أن تقرر الوحدة إخراجه» يجب أن ندرك جيداً أننا مسؤولون عن تربية أبنائنا، وما يحدث لهم هو ثمرة أفعالنا، لذا يجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال حين تقع المشكلة، ونحمّلهم المسؤولية بمفردهم، علينا أن نتحلى بالشجاعة ونخوض هذه المعركة معهم ونحن واثقون بالنجاح.

محكم ومستشار قانوني