الخوذة ليست سبباً
سائق الدراجة النارية كان يسير في طريقه الطبيعي حين صدمته سيارة بقوة، لتتدهور الدراجة ويسقط على رأسه، متعرضاً لإصابات خطيرة، نجم عنها عاهات مستديمة في المخ وأعضاء أخرى من جسده.
تحول الحادث لاحقاً إلى نزاع قضائي يتناول جوانب قانونية مهمة، تشمل مسألة «الجمع بين التعويض وبين الدية أو الأرش»، وهو جزء الدية الذي يستحق على ما دون النفس، مثل فقدان عضو من أعضاء الجسم.
وحين انتقل النزاع إلى لجنة تسوية وحل المنازعات التأمينية، رأت اللجنة أن الضحية يستحق 200 ألف درهم تعويضاً مادياً عن الأضرار الجسدية والمعنوية التي أصابته، لكن طعنت شركة التأمين على القرار مستندة لأسباب عدة، من بينها أن الضحية شريك في الخطأ لأنه لم يكن يرتدي خوذة حين وقع الحادث، وهي من اشتراطات الأمن والسلامة.
كما أثارت في الدعوى مسألة عدم استحقاقه للتعويض، كونه يستحق «الأرش» الشرعي ولا يجوز الجمع بين الاثنين.
وفي ما يتعلق بالمسألة الأولى، طبقت المحكمة قاعدة قانونية مهمة، إذ رأت أن تخطيط الحادث من قبل خبراء الشرطة انتهى إلى أن سائق المركبة لم يُعط أولوية المرور للدراجة النارية التي كانت تسير في طريقها الصحيح، وهو ما يقطع بأنه المسؤول الوحيد عن وقوع الحادث، وأن عدم ارتداء قائد الدراجة للخوذة ما كان ليمنع حدوثه.
وبخصوص المسألة الثانية التي تتكرر كثيراً في الدعاوى المدنية المماثلة، ذكرت الشركة في طعنها أن السائق المتضرر لا يستحق تعويضاً عن إصاباته وإنما «الأرش» المقدر شرعاً، ورأت أن الحكم له بالتعويض في هذه الدعوى جاء جزافياً مبالغاً فيه.
ومن هنا نلفت النظر إلى هذه القاعدة القانونية المهمة، وهي أن حظر الجمع بين الدية أو الأرش وبين التعويض عن الضرر يكون فقط في حالة طلب المدعي (سائق الدراجة في هذه الدعوى) الحكم له بالاثنين، لكنه لم يطالب بذلك، ومن ثم يحق له بحسب قانون المعاملات المدنية التعويض عن أي ضرر لحق به.
وما يجب أن يدركه الجميع أن الإصابات في هذه الحالات موجبة للتعويض حتى لو تماثل صاحبها للشفاء لاحقاً، لأن الضرر الجسماني الذي يعبر عنه القانون يشمل التعويض عن العجز الصحي المؤقت والعجز الصحي الدائم.
كما أن من حق الشخص المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر أدبي، وهو الذي يمس الكرامة أو الشرف أو الآلام النفسية.
من حكمة المشرع الإماراتي في هذه الحقوق المدنية أنه لا يوجد نص قانوني يلزم باتباع معايير معينة للتعويض، إذ جعلته من سلطة محكمة الموضوع التي تبنى على أسباب موضوعية وأدلة ثبوت قائمة على حقائق وتقارير خبرة محايدة، وهذا كفيل بإنصاف كل صاحب حق.
محكم ومستشار قانوني