شاهد نسي الشهادة
وقف الشاهد أمام محكمة الأحوال الشخصية، مقرراً - بعد حلف اليمين - أنه حضر مجلس عقد الزواج بين رجل وامرأة متنازعين أسرياً، مؤكداً أنه فعل ذلك برفقة شاهد آخر على العقد.
وحين سألت هيئة المحكمة الشاهد الثاني عن الأمر، فاجأ الجميع قائلاً إنه لم يحضر المجلس من الأساس، ما دفع المحكمة إلى إحالة الأول مباشرة إلى النيابة العامة بتهمة الشهادة الزور، ليتحول من شاهد في قضية أحوال شخصية إلى متهم في دعوى جزائية.
واكتملت حلقة مفاجآت القضية الغريبة أمام محكمة الجنح في دبي باكتشاف إصابة الشاهد الثاني بالزهايمر، وإقراره بأنه نسي كلياً حضوره مجلس عقد الزواج، فقضت المحكمة ببراءة المتهم.
ننطلق من هذه الدعوى النادرة، إلى تناول أهمية الشهادة في القانون، فالمولى عز وجل أكد إثم كتمانها، في الآية الكريمة رقم 283 من سورة البقرة: «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه».
وأفاد ابن عباس بأن شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك.
وتعد الشهادة في القانون إحدى أهم وسائل الإثبات، لذا تولي كثير من الاتفاقات الدولية عناية خاصة بالشهود، وتفرد نصوصاً لحمايتهم.
ويندرج تحت مظلة الحماية القانونية التي أسبغها المشرع عليهم، عدم جواز إكراه الشاهد على الإدلاء بشهادته، إذ يجب أن تكون صادرة عن إرادة حرة دون خوف أو ترهيب.
وبقدر عناية المشرع الإماراتي بتوفير الحماية اللازمة للشاهد، نظراً لأهمية دوره، حرص على سن عقوبات رادعة لمن يأثم بشهادة الزور، فنصت المادة (302) من قانون الجرائم والعقوبات رقم 31 لسنة 2021 على معاقبة كل من شهد زوراً أمام سلطة قضائية أو هيئة لها صلاحية سماع الشهود بعد حلف اليمين، أو أنكر الحقيقة، أو كتم بعض أو كل ما يعرفه، بالحبس الذي لا تقل مدته عن ثلاثة أشهر.
وإذا وقع هذا الفعل أثناء تحقيق جناية أو المحاكمة عنها تكون العقوبة السجن المؤقت، وإذا نجم عن الشهادة الكاذبة حكم بالإعدام أو بالسجن المؤبد عوقب شاهد الزور بالعقوبة ذاتها.
وعملاً بموجبات نص المادة (303) من القانون ذاته، يعفى الشاهد من العقوبات السابقة إذا رجع عن شهادته الكاذبة قبل انتهاء التحقيقات، وقبل أن يبلغ عنه، أو إذا رجع عنها أمام المحكمة قبل الحكم في أساس الدعوى، ولو بحكم غير نهائي.
ولا شك في أن هذا النص القانوني يضفي رهبة عظيمة في النفوس تليق بمقام الشهادة التي يمكن أن تحدد مصائر بشر ومستقبلهم.
*محكم ومستشار قانوني