3 أسباب لامتناع الموكل عن السداد.. أبرزها خسارة المحامي الدعوى

«بقية الأتعاب» تقود محامين وموكليهم إلى أروقة المحاكم

صورة

يستمر الجدل حول «بقية الأتعاب» بين محامين وموكلين، وينتهي في كثير من الأحيان بخصومة قضائية في أروقة المحاكم، حيث يعتبر متقاضون أن الأتعاب مبالغ فيها، فيما يؤكد محامون أن قانون المحاماة ينظم أعمال المهنة، بما في ذلك أتعاب المحامي، التي تخضع إلى حجم القضية، ومدى ما يُبذل فيها من مجهود وما تستغرقه من وقت، مشيرين إلى أن تقدير تلك الأتعاب يتم بالاتفاق بين الموكل والمحامي.

ورصدت «الإمارات اليوم» عشرات القضايا التي تنظرها المحاكم، بصورة دورية، بسبب خلاف محامين وموكلين على «بقية الأتعاب»، حيث يتهم المحامون مُوكلين سابقين بالتهرب من سداد الأتعاب المتفق عليها عقب انتهاء القضايا، فيما يشكو الموكلون ارتفاع الأتعاب المطلوبة وتحديد أتعاب مُبالَغ فيها، مدللين على صدق ادعاءاتهم بالتفاوت الكبير بين أجور المحامين في النوع نفسه من القضايا.

وتفصيلاً، أجمع عدد من المتقاضين، التقتهم «الإمارات اليوم»، على أن أبرز شكوى يعانيها المتقاضون في التعامل مع المحامين هي المبالغة في الأتعاب، وبصفة خاصة في قضايا التعويضات والشيكات والتركات التي تتعلق بمبالغ مالية كبيرة، بالإضافة إلى القضايا الجنائية، مشيرين إلى أن مقابلة المحامي لعرض القضية باتت تستلزم في البداية سداد رسم استشارة لا يقل عن 1000 درهم، وبعد ذلك إذا قرر المحامي قبول القضية يقوم بتضخيم الخدمات، والمجهود الذي سيبذله في القضية حتى لا تستمر وقتاً طويلاً، ورسوم التقاضي المتعددة التي سيسددها، ويتم توقيع عقد اتفاق، ودفع الموكل نِسَب من المبلغ طوال فترة التقاضي.

أسباب الامتناع

وأشاروا إلى أن امتناع الموكل عن سداد بقية الأتعاب تكون له ثلاثة أسباب رئيسة، إما خسارة المحامي الدعوى، وفي هذه الحالة من المفترض أدبياً ألا يطالب ببقية الأتعاب، حيث يكون الموكل تحمل مصروفات كثيرة، ولم يعد عليه الأمر بأي عائد، على الرغم من أن المحامي يعده منذ اللحظة الأولى بأنه سيربح الدعوى، والحالة الثانية تكون في قضايا التعويض والميراث، وهي أن يكون العائد من الدعوى أقل من الأتعاب التي حددها المحامي لنفسه أو مساوية لها، والحالة الثالثة اكتشاف الموكل خلال رحلة التقاضي أن مبلغ الأتعاب مُبالَغ فيه، وأن قضايا منظورة شبيهة بقضيته تم تحديد أتعاب الدفاع فيها بمبلغ أقل من نصف ما تم الاتفاق عليه.

ودعا متقاضون وأصحاب أعمال إلى وضع آلية لتحديد أتعاب المحامين في القضايا المختلفة، وفق جدول تقريبي يراعي ظروف المتقاضين وخبرات وحقوق المحامين، ووصفوا أتعاب مكاتب المحاماة في الإمارات بـ«المبالغ فيها»، وأنها تمثل عبئاً إضافياً على المتقاضين، مشيرين إلى أن أتعاب بعض القضايا، تفوق ما يحصل عليه المتقاضي من تعويض أو ورث.

قانون المحاماة

فيما، قال المحامي، إبراهيم التميمي، إن تنظيم الأتعاب يخضع لقانون المحاماة رقم (34) لسنة 2022، وقوانين المحاماة السابقة أيضاً، وقد تناول الفصل الثالث كاملاً من القانون التحدث عن أتعاب المحامي في المواد من (46 حتى 58)، مشيراً إلى أن المادة (48) من القانون أجازت للمحامي أن يتفق على الأتعاب تبعاً لنوع أو طبيعة أو ظروف العمل الموكل فيه، أو وفقاً لنظام الساعات المعمول به لدى المكتب لمباشرة وإنهاء ذلك العمل.

تحديد قيمة الأتعاب

وقال التميمي لـ«الإمارات اليوم»: «يُؤخذ في الاعتبار لتحديد الجهد وتقدير قيمة الأتعاب المستحقة، نوع وطبيعة العمل الموكل به المحامي، والجهد المقدر والمهارات المطلوبة لأدائه، والوقت المتوقع لإنهاء العمل المطلوب من المحامي، وأهمية الدعوى أو المصالح المتنازع عليها، وخبرة المحامي الوكيل ومكانته وأقدمية درجة قيده وسمعة ومكانة مكتبه، إضافة إلى نفقات مكتب المحامي من أبحاث ومصروفات وأعباء».

وأرجع اختلاف الأتعاب من محامٍ لآخر في القضايا المتشابهة، إلى قيام كل محامٍ بتقدير ما يستحقه من أتعاب طبقاً لأمور كثيرة، منها شهرته وقدرته وخبرته وغير ذلك، مشيراً إلى أنها مسألة تقديرية مثلها مثل أي مهنة حرة كالطبيب أو المهندس الاستشاري، ومسألة الأتعاب تخضع للمحامي وحده دون قيود.

ولفت إلى أن امتناع موكلين عن سداد بقية أتعاب المحامي بعد انتهاء القضية يرجع إلى طبائع البشر، فإذا هدأت أعصابه بانتهاء القضية، فإنه يشعر بأن سداد بقية الأتعاب يصير حملاً ثقيلاً عليه، وهذا أمر غير حميد، ولذلك أهاب القانون بكتابة عقد أتعاب وحدد البنود الواجب ذكرها فيه، حرصاً منه على حقوق المحامي من هذه الظاهرة.

نوعية الموكلين

فيما أشارت المحامية، هدية حماد، إلى أن تحديد أتعاب المحاماة يتم حسب كل قضية ونوعها، والجهد المبذول فيها، إذا ما كانت قضايا جزائية، أو عمالية، أو مدنية، أو تجارية، أو أحوال شخصية، وبداخل كل نوع فروع عدة، فتختلف بالتأكيد أتعاب كل منها عن الأخرى، لافتة إلى أن اختلاف الأتعاب من محامٍ لآخر في الدعوى نفسها يعود إلى خبرة المحامي نفسه، وعدد السنوات التي قضاها في ممارسة المهنة، حيث يعود تقدير الأتعاب إلى تقدير المحامي لجهده.

وأكدت حماد أن الالتزام بالوفاء بالاتفاق يعود إلى أمانة كل شخص، فليس جميع الموكلين يمتنعون عن السداد، وبالتأكيد لا يقوم جميعهم بالسداد بانتظام، وفي النهاية دائماً هناك عقود أتعاب بين المحامي والموكل تحمي الطرفين للحصول على حقوقهما.

اختلاف الأتعاب

وأشار المحامي، سالم محمد عبيد النقبي، إلى وجود قانون للمحاماة ينظم أعمال المحاماة، وكل ما يتعلق بها داخل دولة الإمارات، بما فيها أتعاب المحامي وتقديرها ورسم طريق التقاضي لضمان الحصول عليها، مشيراً إلى أن المحاماة من الأعمال الذهنية، التي يقدم فيها المحامي خدمة ذهنية، وليست سلعة مادية، ويخضع تقدير قيمة هذا العمل في الأصل إلى المحامي نفسه، فهو أدرى الناس بما بذله من جهد في القضية من بحث ووضع خطة الدفاع، والصياغة، والكتابة، والمرافعة.

ولفت إلى أن اختلاف الأتعاب بين محامٍ وآخر، يعود إلى فرق الخبرة، والمهارة والمجهود المبذول، بالإضافة إلى إمكانية اختلاف أتعاب قضية من نوع معين عند المحامي نفسه من موكل إلى آخر، طبقاً لمراعاة المحامي ظروف كل موكل، فليس كل البشر سواء، وهو ما ينطبق على التزام الموكلين أيضاً، فالبشر مختلفون في التنشئة والتربية والثقافة، وقد يمتنع بعضهم عن دفع ما تبقى في ذمته من أتعاب للمحامي، سواء كسب القضية أو خسرها، ذلك أن الأتعاب غير مرتبطة بربح القضية، كون المحامي مطالباً ببذل العناية والجهد، وليس مطالباً بتحقيق نتيجة.

سداد أتعاب

وشهدت المحاكم، أخيراً، قضايا كثيرة رفعها محامون يتهمون موكلين بالامتناع عن سداد بقية الأتعاب المتفق عليها، رغم قيامهم بأداء واجبهم المهني في جميع مراحل الدعوى حتى انتهائها، كما رفع موكلون دعاوى ضد ممثليهم القانونيين، طالبوا فيها بإعادة الأتعاب أو جزء منها، أو تخفيض المبلغ المتفق عليه.

وقضت محكمة النقض أبوظبي في قضية نزاع بين محامية وموكلها برفض طلبات الموكل، والقضاء من جديد بإلزامه بدفع مستحقات مكتب المحاماة وقدرها 485 ألفاً و702 درهم متأخر الأتعاب، موضحة أن العقد شريعة المتعاقدين، ويجب على الموكل الوفاء بما أوجبه العقد عليه.

كما أيدت محكمة الاستئناف في دبي حكماً قضت به المحكمة الابتدائية المدنية بإلزام مساهمَين في إحدى الشركات بأداء أتعاب تبلغ قيمتها مليونين و244 ألف درهم لمكتب محاماة، بعد تملصهما من سدادها، على الرغم من نجاح المكتب في الحصول على حكم نهائي لهما من محكمة التمييز بأحقيتهما في الحصول على 24 مليوناً و419 ألف درهم، قيمة أرباح لشركة أسهم شاركا في تأسيسها، إذ سدد الأول 60 ألف درهم، والثاني 20 ألف درهم.

وفي دعوى ثالثة تهرب موكل كان «ضحية حادث» مروري من سداد أتعاب محاميه التي تقدر بـ33 ألفاً و455 درهماً، رغم اجتهاد الأخير في ملاحقة شركة تأمين إلى أن حصل على تعويض كبير لموكله بواقع 165 ألف درهم، وقضت المحكمة بإلزام المدعى عليه بسداد المبلغ للمدعي.

وأقام مكتب محاماة دعوى قضائية ضد موكل سابق، طلب فيها إلزامه بأن يؤدي 46 ألفاً و500 درهم، حيث إنه قام بموجب اتفاقية أتعاب محاماة أبرمت بينهما، بتمثيل المدعى عليه في ست قضايا، لقاء 100 ألف درهم، وقد بادر المدعى عليه بدفع 53 ألفاً و500 درهم، وأخلّ في سداد بقية الأتعاب المتفق عليها.

إعادة أتعاب

في المقابل، قضت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية في دعوى نزاع بين شاكية متضررة، ومحاميها في قضية تجارية، بفسخ عقد أتعاب المحاماة المؤرخ والموثق بين الشاكية (موكلة) والمحامي في القضية، وإلزام المحامي بأن يرد للشاكية 180 ألف درهم، وذلك وفقاً لظروف وملابسات الدعوى التي تقدر الأتعاب المستحقة للمحامي بمبلغ 10% من الأتعاب المتفق عليها بمبلغ 20 ألف درهم، ويتعين على الأخير رد بقية الأتعاب التي تسلّمها من الشاكية، والبالغ قدرها 180 ألف درهم.

وفي دعوى أخرى ألزمت المحكمة ذاتها، محامية أن تؤدي إلى موكلها 44 ألف درهم، 14 ألفاً كان قد دفعها لها كجزء من الأتعاب، و30 ألف درهم تعويضاً مادياً عن الأضرار التي تسببت له فيها نتيجة إساءة استخدامها حق التقاضي، ومن ثم حرمانه حقوقه المالية، كما ألزمت المحكمة محامياً آخر بأن يردّ إلى موكّله 5250 درهماً من قيمة مقدم الأتعاب المتفق عليها، بعدما عزله الموكّل قبل مباشرة العمل.


سقوط الحق في الأتعاب

أكد محامون أنه طبقاً لقانون المحاماة، يسقط حق المحامي في المطالبة بأتعابه بمضي ثلاث سنوات من تاريخ انتهاء الوكالة، أو إنجاز الأعمال محلها أو عزله، وعدم وجود عذر شرعي، سواء كان الاتفاق مكتوباً أو غير مكتوب، وإذا تعددت الأعمال المكلف بها المحامي، فيسري التقادم المنصوص عليه في البند السابق بالنسبة لكل عمل على حدة، واستثناءً من ذلك لا يسري التقادم إلا بعد الانتهاء من آخر عمل من تلك الأعمال، إذا كانت الأعمال مرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة، أو إذا اتفق صراحةً على عدم استحقاق الأتعاب إلا بعد الانتهاء منها جميعاً.

. متقاضون وأصحاب أعمال يقترحون إصدار جدول تقريبي لقيمة الأتعاب، حسب نوع الدعوى، يراعي ظروف الموكلين، وخبرات وحقوق المحامين.

تويتر