البحث العلمي يعاني نُـدرة الكوادر وقصور التمويل
كشف أكاديميون ومختصون عن وجود إشكاليـات عدة تعيق حركة البحث العلمي في الدولة، أهمها الافتقار إلى كوادر وطنية مدربة قادرة على دفعها إلى الأمام، والنهوض بها، مؤكدين أن البحث العلمي يعاني غياب الوعي، والقصور في تمويل الأبحاث العلمية في الجامعـات، وندرة براءات الاختراع، مطالبين الجهات المعنية بدعم العملية التعليمية وإعطاء العلوم الطبية قدراً أكبر من الاهتمام، بما يخدم حركة الأبحاث العلمية.
وقال مدير الهيئة الوطنية للبحث العلمي الدكتور كينيث ويلسون، إن أهم إشكاليات البحث العلمي في الدولة، قصور تمويل البحوث في جامعات الدولة، وقصور في فهم الجامعات لأهمية إجراء البحوث فيها بهدف بناء اقتصاد قائم على المعرفة، ومجتمع معرفي، بالإضافة إلى وجود نقص في عدد الكوادر الإماراتية التي تحتل مناصب بحثية قيادية.
وأشار إلى أن عدد براءات الاختراع التي يتم الحصول عليها وتلقيها قليل جداً مقارنة بما يجب أن يكون، موضحاً أن نقص التمويل أدى بدوره إلى وجود عجز في منشورات البحث العلمي، وخصوصاً تلك التي تنشر في المجلات الدولية التي تخضع موضوعاتها البحثية لمراجعة وتقييم دقيقين من قبل خبراء متمرسين، وضليعين في المجال البحثي للموضوع المراد نشره.
وجدير بالذكر أن الهيئة الوطنية للبحث العلمي تم تأسيسها في مارس من عام ،2008 بهدف إيجاد نوع من الريادة البحثية في الدولة، وتقديم الاستشارات لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، في ما يتعلق بشؤون البحث كافة، وتقديم التوصيات الخاصة بتمويل المراكز والبرامج والمؤسسات والأفراد، ومراقبة المنح بشكل دوري للتأكد من تحقيقها للأهداف المرادة منها، وتوفير قدرة بحثية منافسة دولياً، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير نظام ابتكاري في الدولة، لتصبح نتائج هذه الأنشطة البحثية مصدرًا للملكية الفكرية، والأفكار والمعلومات وزيادة قدرة الشركات الإماراتية على المنافسة، والارتقاء بحياة المواطنين.
وعن سبل دعم وتطوير المجال البحثي في الدولة، أكد ويلسون ضرورة التوسع في برامج الماجستير، والدكتوراه، وفق البرامج البحثية في الجامعات، وزيادة التمويل المخصص للأبحاث في الجامعات، وعلى وجه الخصوص رصد التمويل البحثي على أساس تنافسي، لافتاً إلى أن أبرز المجالات التي تفتقر إلى البحث العلمي في الدولة تتمثل في «العلوم الصحية والطبية، التنمية البشرية والاجتماعية، والاقتصاد والأعمال والإدارة، والأمن الغذائي والمائي، والنقل والإمداد والتخطيط العمراني، وتعليم وتدريب المواطنين» .
وحول توقعاته لمستقبل حركة البحث العلمي في الدولة قال إن وثيقة استراتيجية الحكومة للأعوام 2011-2013 حددت سبع أولويات، من بينها استراتيجية «اقتصاد المعرفة التنافسي»، مؤكداً أن بلوغ ذلك يتطلب إحداث توسع رئيس في البحوث التي تجرى في جامعات الدولة لأن البحوث الجامعية يتمخض عنها إنتاج للمعرفة، متوقعاً حدوث زيادة ملموسة في البحوث التي تجرى في جامعات الدولة في السنوات المقبلة.
ومن جهته قال رئيس جامعة زايد في دبي الدكتور سليمان الجاسم، إن أبرز إشكاليات البحث العلمي، تتمثل في غياب الوعي المجتمعي بأهمية البحث العلمي، خصوصاً في ظل وجود كثير من المؤسسات التي تتجه إلى الاستعانة ببيوت خبرة متخصصة في ذلك المجال، من خارج الدولة، بالإضافة إلى أن مفهوم البحث العلمي ركيزةً أساسيةً للنهضة الصناعية والاقتصادية لايزال يواجه تحديات من قبل هذه المؤسسات التي لا تدرج ميزانية مستقلة للبحث العلمي ضمن أجندتها السنوية، وهذا الأمر على العكس تماماً مما تقوم به كبريات المؤسسات العالمية المعنية بإنتاج الرقائق الإلكترونية أو بإنتاج صناعات أخرى، بحيث ترصد هذه المؤسسات ميزانيات مستقلة للبحث العلمي إدراكاً منها لقيمة البحوث العلمية، ولترسيخ استحواذها على الأسواق المحلية والعالمية.
وتابع الجاسم «هناك مجالات كثيرة في حاجة ماسة لتوجيه البحث العلمي نحوها، في مقدمتها المجالات المرتبطة بالتقنيات الحيوية، وما يرتبط بها من بحوث حول الجينات، والأمراض الوراثية، والبحوث العلمية التي أصبحت العمود الفقري للنهوض بقطاع العلوم الصحية والطبية، مشيراً إلى أن الدولة في حاجة إلى بحوث حول الطاقة المتجددة خصوصاً مع استضافة الإمارات مقر المنظمة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) في أبوظبي، فضلاً عن الحاجة إلى بحوث في قطاعات مثل مصادر المياه، والبيئة، والتخطيط العمراني، مؤكداً عدم وجود أي قصور من قبل الجامعات في ما يتعلق بالاهتمام بالبحث العلمي كون هدفها الأساسي يتركز في التعليم ومن ثم البحث العلمي وخدمة المجتمع.
من جهته، اعتبر الأستاذ المشارك في كلية الآداب قسم العلوم الصحية في جامعة زايد الدكتور أسامة العلمي، أن البحث العلمي في الدولة في مرحلة حرجة جداً، ويحتاج إلى تمويل ضخم، فضلاً عن توفير كوادر مدربة تستطيع قيادة المجال البحثي إلى النهضة والتطور، مؤكداً أن عدم وجود كوادر مدربة وعدم القدرة على استقطاب الشباب إلى المجال البحثي يعد أحد أكبر المشكلات التي تواجه حركة البحث العلمي في ظل توافر بعض مؤسسات التمويل البحثي في الدولة.
وطالب الجهات الحكومية بضرورة تشجيع الطلبة في المراحل التعليمية المختلفة على أعمال البحث، خصوصاً البحث العلمي في مجال العلوم الصحية، التي تفتقر ـ وفق رأيه ـ إلى الاهتمام، مشيراً إلى أن الدولة أصبحت تحتوي على أعداد كبيرة من مرضى السرطان والأمراض المختلفة، وباتت في أمسّ الحاجة لأبحاث علمية ترشد الناس إلى الوقاية والتوصل إلى سبل علاج حديثة وقوية. واتهم العلمي، مراكز البحث العلمي في الدولة بالبطء في إجراءات التطوير، في ظل الحاجة إلى السرعة في التطوير.
بدورها دعت المديرة المشاركة في كلية دبي التقنية للطالبات الدكتورة بهجت اليوسف، إلى التركيز في مجالات الاستثمار في البنية التحتية لمجتمع المعرفة، كونه أساس البحث العلمي، موضحة أنه لا يمكن مقارنة ما وصلت إليه الدول الأخرى في البحث العلمي مع الإمارات، من الوقوف عند الفترة الزمنية القصيرة من عمر الدولة، التي أثمرت عن انجازات جيدة في مجال المعرفة إذا ما قورنت بالدول المتقدمة، التي بدأت مسيرة المعرفة منذ عقود طويلة.
وذكرت أن الكلية تعمل على تحفيز الطالبات على البحث العلمي، خصوصاً التي تحتاجها الدولة ليستفيد منه المجتمع المحلي، ويتم التركيز بشكل خاص على مجالات البحث العلمي فى تقنية التعليم، وتطوير المرأة، مشيرة إلى أن جميع تخصصات البكالوريوس المتوافرة في الكلية حالياً تحمل مساقاً دراسياً يختص بمنهجية البحث العلمي .
من جانبه أقر رئيس جامعة الغرير في دبي الدكتور عبدالرحيم الأمين، بوجود تقصير من قبل الجامعات في الدولة في ما يتعلق بالبحث العلمي، مشيراً إلى أن النهوض والتطور في تلك الحركة يحتاجان إلى غرس ثقافة البحث في عقول وأذهان الطلاب منذ الصغر، فضلاً عن توفير المناخ اللازم لرواج ونشاط الأبحاث، معتبراً أن «البحوث العلمية تعد بضاعة غير متوافرة بشكل جيد في المنطقة العربية بأكملها».