تربويون: تسرب طلـبة من «العلمي» يهدّد خطط الدولة
حذّر تربويون من تنامي ظاهرة تسرب طلبة في الثانوية العامة من القسم العلمي إلى القسم الأدبي، مؤكدين أن ذلك ليس في مصلحة مستقبل الدولة، ويهدد خططها المستقبلية، وتنعكس خطورته على مستقبل البحث العلمي والتطور التكنولوجي، خصوصاً أن نسبة طلاب العلمي في الثانوية العامة منخفضة أساساً ولا تمثل سوى 35٪ من الطلبة، مقابل 65٪ للأدبي، وفق إحصاءات وزارة التربية والتعليم.
فيما يرى طلاب في القسم الادبي أن الالتحاق بالقسم العلمي بات «مغامرة» محفوفة بالمخاطر، فقرر قسم عريض منهم التوجه إلى القسم الأدبي، بمباركة ذويهم الذين تخلوا عن حلم التحاق أبنائهم بكليات الطب والهندسة، احتفاظاً منهم بحلم النجاح بعد سلسلة من الضغوط النفسية والعصبية التي واكبت امتحانات بعض المواد العلمية التي وصفها البعض بـ«الصعبة».
وأكدت وزارة التربية والتعليم، ومجلس أبوظبي للتعليم، انهما يدرسان ظاهرة تنامي إقبال طلبة الثانوية العامة على القسم الأدبي بحثاً عن علاج لها.
نتائج الثاني عشر اليوم وجيه السباعي ــ دبي أفاد رئيس قسم الامتحانات في وزارة التربية والتعليم أحمد الدرعي، بأن مراكز تقدير ورصد درجات الصف الثاني عشر انتهت من اعتماد الدرجات في برنامج نظام التقويم والامتحانات الخاص بالوزارة. وأضاف أنه تم تفعيل صلاحية إدارات المدارس والمراكز لطباعة بطاقة تقييم الفصل الدراسي الثاني لطلبة الصف الثاني عشر، وإمكانية طباعتها وحفظها بدءًا من أمس، أو تأجيل طباعتها لليوم (الأحد) وتوزيعها على الطلبة، وفق الاتفاق مع إدارات المناطق التعليمية. وأوضح أنه بناءً على الاجتماع الأخير مع إدارات المناطق ورؤساء مراكز تقدير ورصد درجات الصف الثاني عشر، تتولى إدارات المدارس والمراكز طباعة واعتماد بطاقات تقييم الفصل الدراسي، وذلك لضمان استكمال المراجعة والتدقيق، وتأكيد سلامة إجراءات العمل، أما بقية صفوف النقل فقد تم توزيعها حسب الفترة المحددة الأسبوع الماضي. |
وتفصيلاً، قال الطالب في القسم الأدبي، أحمد سالم إن «الأدبي أسهل من العلمي، على الأقل أضمن من خلاله الالتحاق بأحدى الكليات، بأقل مجهود دون تعب في المذاكرة والامتحانات»، لافتاً إلى أن المواد الأدبية تحتاج للحفظ، وتمكن مذاكرتها في البيت دون دروس، لكن مواد القسم العلمي تضم رياضيات وفيزياء وكيمياء ومواد صعبة تحتاج مجهوداً في مذاكرتها».
وقال الطالب فهد راشد، إنه على الرغم من حصوله على درجات مرتفعة في المواد العلمية، في المراحل الدراسية السابقة، إلا أنه فضل اختيار المواد الأدبية في الثانوية العامة، واصفاً امتحانات القسم العلمي بـ«الصعبة والمعقدة».
وذكر الطالب سعيد حميد أن أغلب أصدقائه بذلوا مجهودا كبيرا في المذاكرة طوال العام في القسم العلمي، ولم يستطعوا التعامل مع الامتحانات الصعبة في نهاية العام، ما دفعه إلى التوجه للدراسة في القسم الادبي.
من جانبه، أكد مدير مدرسة محمد بن خالد، ناصر بن عيسى، أن السنوات الماضية شهدت تنامي ظاهرة ابتعاد الطلاب المواطنين عن الالتحاق بالقسم العلمي، والتوجه بكثافة إلى القسم الادبي.
وأوضح أن نسبة الطلاب المواطنين في معظم المدارس، في القسم العلمي 20٪ مقابل 80٪ للقسم الأدبي، مؤكداً أن الدولة تحتاج الى التخصصات العلمية، ما ترتب عليه وجود مشكلات تواجه الطلاب قبل دخولهم الجامعة، دفعت بعض الجامعات إلى إضافة سنة تأهيلية، لرفع مستوى الطلاب، ما يعد اهداراً للمال والوقت والجهد، وهو الامر الذي يهدد خطط البحث العلمي المستقبلية التي تعتمد عليها نهضة البلاد.
وشدد بن عيسى على ضرورة أن تكون المدارس مرتبطة بحاجة الدولة، وسوق العمل، لان الدولة تحتاج إلى مواطنين في المجال العلمي، ولابد من تخريج مواطنين يخدمون الدولة في هذه التخصصات العلمية.
وطالب بأن تكون المدارس العلمية ثلاثة أضعاف المدارس الادبية، وأن تختص المدرسة بنوع واحد من التعليم، وان تجهز المدارس العلمية بالأجهزة الحديثة كافة، لافتاً إلى ضرورة فصل العلمي عن الادبي، وتقليل المواد الادبية لطلاب العلمي، وإلغاء بعضها، والتركيز على البعض الآخر في مراحل التعليم الاولى.
وأرجع بن عيسى انضمام أعداد كبيرة من الطلبة إلى القسم الادبي إلى «الشللية»، وتأثر الطلبة بأصدقائهم، حيث يكون تحديد مسار الطالب في سن متأخرة، متابعاً أنه «يجب ان يكون التخصص من الصف السابع وليس الحادي عشر، حتى يكون للأسرة دور في توجيه الطالب ومساعدته على الاختيار، بجانب تأهيل الطلبة من وقت مبكر للمجال العلمي»، لافتا الى ضرورة وضع حوافز للمدارس العلمية لتشجيع الطلبة على الانضمام إليها.
وأشار إلى أن تسرب الطلاب من الدراسة يبدأ من الصف العاشر، بسبب كثرة المواد الدراسية، التي تنفر الطالب وتشجع البعض على اختيار القسم الادبي، ظناً منهم أنه الاسهل، لذلك تحديد المسار من الصف السابع سيشجع الطلاب، ويؤدي إلى تخفيض المواد الدراسية.
وأكد مساعد مدير مدرسة الرواد النموذجية، سالم سعيد الكثيري، أن من الأسباب الرئيسة لانضمام عدد كبير من الطلاب الى القسم الادبي، سوء توجيه الطلاب، وعدم وجود خطة صحيحة، أو برنامج ارشادي، لتعريف الطلاب باحتياجات سوق العمل، ومستقبل القسم العلمي، وفوائد الانضمام إليه.
وأشار إلى أن من الافضل ان يكون الاختيار بين العلمي والادبي بدءاً من المرحلة الاعدادية، لان الطالب يشاهد اختيارات زملائه وينضم اليهم، والمفروض ان يتشارك المنزل والمدرسة في مساعدة الطالب على الاختيار، والاعتماد على خطة واضحة.
وأضاف أنه في الدول المتقدمة يوجد مكتب يسمى التوجيه المهني، يتولى توجيه الطلاب من البداية بناءً على المهارات التي يمتلكها الطالب، ويرسم خطة للطالب تحدد المسار الافضل له، وفقاً لإمكاناته بما يفيده ويفيد الدولة، مشدداً على ضرورة أن يكون الاختيار بين العلمي والادبي قائماً على أسباب علمية، ويبتعد عن العشوائية ورغبة الطلاب في اختيار الأسهل، لافتاً الى ضرورة أن يكون الاختيار في صفوف مبكرة «الصف السابع أو الثامن»، لتخريج طلاب اكثر تخصصاً، واختصار سنوات الطالب وتهيئته جيدا لسوق العمل.
وأوضح أن الواقع الحالي يؤكد أن معظم الطلاب المواطنين يهربون من التخصصات العلمية، ويفضلون الادبية، ما يهدد خطط الدولة المستقبلية القائمة على العلوم أكثر من الآداب، مطالباً بضرورة وجود حوافز قوية ومبكرة، لتشجيع الانضمام الى القسم العلمي، خصوصاً أن تفكير الطالب وذويه أصبح ينصب على المجموع الكبير، دون النظر إلى المستقبل، وهو ينم عن جهل باحتياجات الدولة وسوق العمل، لافتاً إلى ضرورة وجود دراسة لكيفية تشجيع الطلاب على الانضمام إلى العلمي، وأن تكون مبكرة ومن الحلقة الثانية.
من جانبه، أكد وكيل وزارة التربية والتعليم، علي ميحد السويدي، أن الوزارة استشعرت خطر هذا الموضوع، وأنشأت إدارة خاصة للإرشاد الطلابي، تقوم بإرشاد الطلاب لأهمية التخصصات العلمية ومستقبلها، واكتشاف الطلاب ذوي المواهب العلمية مبكراً وتبنيهم لتنمية مواهبهم.
وكشف السويدي عن وضع خطة بدأ تنفيذها من العام الجاري تستهدف طلاب الصف التاسع، وتعريفهم بفوائد دخول القسم العلمي، ومستقبله في سوق العمل، وذلك بالتعاون مع المرشد التعليمي والاخصائي الاجتماعي في المدرسة، مشيراً إلى أن تقييم هذه التجربة سيتم في نهاية العام، مشيراً إلى أن نسبة طلاب الادبي تصل حالياً إلى 65٪، مقابل 35٪ للعلمي.
فيما أكد مدير عام مجلس ابوظبي للتعليم، الدكتور مغير خميس الخييلي، أهمية انضمام الشريحة الأكبر من الطلاب إلى القسم العلمي، لما في ذلك من أهمية لتحقيق خطط الدولة واهدافها، ومن ضمنها رؤية أبوظبي ،2030 التي تقوم في الاساس على العلم، مشيراً إلى أن المجلس يتولى عمل دراسة من كل الجوانب حول ظاهرة تفضيل الطلاب للقسم الأدبي، لمعالجتها وتصحيح المسار في السنوات المقبلة.
وأفاد مدير عام معاهد التكنولوجيا التطبيقية، الدكتور عبداللطيف الشامسي، بأن عدد الطلاب المواطنين الذين يدرسون في القسم العلمي 3600 طالب وطالبة، وهي نسبة أقل من 25٪، مرجعاً السبب الى جمود المواد العلمية، وتخوف الطلاب من دراستها.
وطالب الشامسي بضرورة خلق محفزات للطلبة، حتى يُقبلوا على الدراسة العلمية قائلاً «التنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي فقط تحتاج إلى 40 ألفاً من المهندسين والتقنيين، من أصحاب المهارة العالية في مختلف التخصصات في عام ،2020 في حين أن نظام التعليم الحالي لا يوفر سوى 3000 فقط».
وأضاف أن من الضروري تبني المنظومة التعليمية في الدولة استراتيجية تعليمية تكنولوجية جديدة، تعمل على ربط أبناء الوطن بسوق العمل منذ مرحلة دراسية مبكرة، يتم خلالها الربط بين ما يدرسه الطلاب والواقع الحياتي، خصوصاً احتياجات سوق العمل، من أجل تخريج كوادر إماراتية متخصصة قادرة على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية في الدولة.