أبطال التاريخ
ابتعثته حكومته للدراسة في إحدى جامعات ألمانيا، ليدرس الميكانيكا العملية، فذهب يحمل حلمه بين طيات نفسه، يحلم بأن يصنع مُحركاً صغيراً. قرأ كل ما كُتب عن الميكانيكا حتى عرف نظرياتها كلها، لكن شكل المحرك لايزال يداعب خياله، ويشغل ذهنه، ويملأ كيانه، زار يوماً معرضاً للمحركات، فوجد محركاً صغيراً يعادل في سعره مرتبه كاملاً؛ فاشتراه على الفور، وذهب إلى بيته سعيداً ليقضي أياماً وليالي لا ينام إلا قليلاً، ولا يأكل إلا الفُتات، حتى نجح في النهاية في أن يفكك أجزاءه قطعة قطعة، ليعيد تركيبها من جديد بنجاح. ثم عُرض عليه مُحرك مُتعطل، فظل أياماً يبحث في أجزائه، حتى عرف أن عُطله يكمُن في قطعة تحتاج إلى صناعة، فصنعها بنفسه، فدبت الروح في المحرك من جديد، لتعزف أعذب موسيقى سمعها في حياته. استمر في دراسته وتجاربه ونجاحاته تسع سنوات، يعمل باستمرار، لا يهدأ فيها ولا ينام، حتى استطاع آخر الأمر أن يعود إلى اليابان لينشئ مصنع محركات كاملاً، وقد استغرق ذلك تسع سنوات متواصلة في عمل لا يعرف الكلل، وكانت كل قطعه وأجزائه مصنوعة في اليابان.. إنه بطل الإرادة وناقل الحضارة تاكيو أوساهيرا.
تطور الأوطان يعتمد على الأبطال، والأبطال يصنعون الأحلام ويحققونها. |
إن تطور الأوطان يعتمد على الأبطال، والأبطال يصنعون الأحلام ويحققونها، فهم لا يعيشون دون جدوى، إنهم صُنَّاع التاريخ الذي لا يسرد إلا قصصهم، ولا يعترف إلا بإنجازاتهم.
آمن أوساهيرا بشيء ما، وكان لديه ما يبعث على الأمل، كان يضحي بماله ووقته وطاقته وهو مستمتع، كان يسرع الخطى نحو أحلامه التي رآها واقعاً، وعينه لا تفارق خط النهاية الذي تهون من أجله الصعاب؛ موقناً بأنه لن يحصل من هذه الحياة إلا على قدر ما يحمل من أحلام، وما يتحلى به من إرادة. إنها العبقرية الحقيقية التي تكمن في قدرة الإنسان غير المحدودة على بذل الجهد وتذليل عقباته.
لقد اعتبر أوساهيرا المحرك حلم حياته، ورغم إعجابي الشديد بمن يكتشف حلم حياته، إلا أنه لم يكتف بذلك، وإنما نشد المزيد، فقد أحدث توافقاً وانسجاماً بين حياته الداخلية وحياته الخارجية، ليتحول حلم الحياة إلى حياة الحلم، بل أصبحت الحياة المصوغة خارجياً عند أوساهيرا حياة حالمة.
علينا أن نكتشف أحلامنا داخل نفوسنا الفريدة، واكتناه كياننا الحقيقي، وأن نعيش وفقه، لتتشبع حياتنا بأحلامنا، وما هي إلا خطوات حتى تتحقق الأحلام والأمنيات. إنها بحق الكنز الحقيقي للنمو البشري الذي يبرق من حين إلى آخر في سماء حياتنا.
عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ــ جامعة الحصن