نقطة حبر

وعي النجاح

قيل إن قائداً من قادة التاريخ كان لديه جيش كبير، وفي إحدى معاركه انكسر الجيش وتفرق الجند، ولحقت به هزيمة مُنكرة، وفرَّ القائد بحياته واختبأ في مغارة، وجلس حزيناً مكتئباً، وبينما هو مستلق يجتر مرارة الهزيمة في حزن وألم على خسارته؛ رأى نملة تصعد حجراً أملس وهي تحمل قطعة من خبز تعادل ضعف حجمها، حتى إذا اقتربت من الوصول إلى القمة سقطت، حاولت النملة مرة ثانية وسقطت، وثالثة وسقطت، وعاشرة وسقطت، وفي المرة السابعة عشرة وصلت. فقال القائد في نفسه: أعجزتُ أن أكون مثل هذه النملة التي ذاقت طعم الفشل ست عشرة مرة، وأنا فشلت مرة واحدة ولم أصمد! ثمَّ عاد القائد وبنى جيشه من جديد وخاض المعركة وانتصر.

إن المتتبع لكثير من قصص النجاح ليجد أن أكثر الناس نجاحاً قد عانوا من فشل كبير، بيد أنهم لم يسقطوا ضحايا لهذا الفشل، والمخفقون الحقيقيون هم من استسلموا لتجارب الانكسار التي مروا بها؛ فقد وقفوا عندها يلعنون الظروف والأقدار.

أما الناجحون؛ فهم يُعدون الفشل كبوة مؤقتة في درب النجاح، بل إنها تدفعهم لبذل مزيد من الجهد، وبعضهم لم يستسلم لسلسلة متتابعة من حالات الإخفاق التي ظلت تطاردهم، فتعلموا من كل تجربة مروا بها، فطوروا عملهم في كل مرة، ولم تعرف نفوسهم الراحة، ولم يهدأ لهم بال حتى حققوا النجاح المرجو، ولعلنا نذكر توماس أديسون الذي أجرى على مصباحه 10 آلاف تجربة، حتى نجح في النهاية.

وعلينا أن نعي أن النجاح حالة يتضافر فيها الجهد مع الهدف، ويضاف إليهما حس المسؤولية للنتيجة النهائية، وللنجاح تأثير إيجابي تستشعره النفس، ولا يُدرك إلى بعد الفعل، وكلما تكررت الأفعال وتنوعت تلتها عواقب تقود في النهاية إلى الغاية التي تصبو إليها. وإذا لم تحرز النجاح في المرة الأولى؛ فسيبقى لديك دافع التكرار الواعي الذي يؤدي إلى الهدف، فلا شيء مستحيلاً أمام من يملك العزيمة والإصرار. ولنعلم علم اليقين أن كل تأثير مشاهد يستر خلفه سبباً مطابقاً، بمعنى أن نسيانك لموعد يعني رغبة في داخلك لتجنب اللقاء، وشوقك إلى أمر ما يظل يطاردك في نومك ويقظتك حتى تُشبعه، وبالتالي فتحقيق النجاح يستدعي وعياً داخلياً ورغبة حقيقية في بلوغه، وإدراك الخسارة مدفوع من الداخل لا يلبث أن يصل إليها مبتغيها.

إن طريق النجاح مُطعَّم بلبنات من الإخفاق، إنها رسائل الحياة لكي تطور عملك، وتحسن أداءك، وتغير مسارك إذا اقتضت الحال، فتَعَلَّم الدرس، واعلم أن النجاح ثمرة حلوة.. تحوطها أشواك لاشك مُرة.

عميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية ــ جامعة الحصن

تويتر