الدروس الخصوصية مستمـرة.. رغم «برامج التقوية»

أكد معلمون ومسؤولون تربويون عدم قدرة برامج الدعم المدرسي التي توفرها وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم للطلبة على إنهاء ظاهرة الدروس الخصوصية، عازين ذلك إلى الثقافة المجتمعية وصعوبة المناهج الدراسية، وضعف انتباه الطلبة داخل الصف، وتقصير معلمين في أداء واجباتهم.

رضا الطلبة

أظهرت نتائج استبيان رضا الطلبة الذي نفذه مجلس أبوظبي للتعليم أخيراً، أن 37% من طلبة المدارس الحكومية والخاصة لا يعتقدون أن المدرسين يشرحون الدروس بطريقة منظمة، فيما أكد 33% منهم أنهم لا يعتقدون أن المدرس يشجع على تبادل الأفكارهم في ما بينهم.

وأظهر الجزء المتعلق بجودة التدريس أن 41.6% من طلبة المدارس الحكومية و44% من المدارس الخاصة لا يشعرون باهتمام حقيقي من المدرس.

وأشار 50.8% من طلبة المدارس الحكومية و56.1% من المدارس الخاصة، إلى أنهم لا يحافظون على تركيزهم.

ورأى 34.7% من الطلبة الحكوميين و30.1% من المدارس الخاصة، أن المعلم لا يحثهم على الاجتهاد، فيما أشار 32.9% من الطلبة الحكوميين و47.7% من المدارس الخاصة إلى أن المعلم لا يجعل التعليم ممتعاً.

نظام الثانوية العامة الجديد

توقع معلمون ومديرو مدارس تزايد الإقبال على الدروس الخصوصية في ظل نظام الثانوية العامة الجديد، الذي اعتمدته وزارة التربية والتعليم أخيراً، إذ يحصل بموجبه الطلبة، بدءا من الصف العاشر، على مواد علمية تخصصية تختلف في عمقها.

وشرحوا أن «مادة العلوم العامة للصف العاشر، على سبيل المثال، تجمع مواد علمية مختلفة، ويشكل كتابها دروساً في الجيولوجيا والكيماء والفيزياء، فيما يدرسها للطلاب معلم واحد، متخصص في أحد هذه العلوم، ما يعني وجود فجوة في شرح دروس التخصصات الأخرى في الكتاب ذاته، وانعكاس ذلك سلباً على مستوى الطالب»، لافتين الى أن «النظام الجديد يركز على إكساب الطلاب مهارات تؤهلهم لسوق العمل، ما قد يدفعهم نحو الدروس الخصوصية».

ويلجأ عدد كبير من الطلبة الى الدروس الخصوصية لمواجهة صعوبة المنهاج، والحصول على نتائج دراسية متقدمة، فيما يحذر خبراء تربويون من أن الاعتماد على المدرس الخصوصي يؤثر سلباً في ثقة الطالب بنفسه، وبقدرته على تلقي المعلومة وفهمها على نحو صحيح. ويؤكدون أن تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية بين الطلبة يشير الى وجود خلل كبير في العملية التعليمية.

وتفصيلاً، أشار تربويون إلى أن برامج التقوية التي تجريها مدارس حكومية لم تحد من انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، فيما اتهم طلاب معلمين بالتقصير في الشرح، لإجبارهم على اللجوء إليهم، إضافة إلى صعوبة المناهج وعدم وضوحها، فيما أكدت وزارة التربية والتعليم أن المناهج الدراسية وضعت وفق معايير ومهارات محددة، يتعين على الطالب اكتسابها قبل انتقاله إلى المراحل الدراسية الأخرى، أو سوق العمل، وتعد الصعوبة جزءاً منها.

ودافع معلمون في مدارس حكومية (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) عن اتهامهم بالتقصير، مؤكدين أن «غالبية الطلاب داخل الصف الدراسي لا ينتبهون جيداً للشرح، فيما لا تتعدى نسبة الطلاب المنتبهين 5%»، مشيرين إلى أن «صعوبة بعض المناهج، خصوصاً العلمية، وعدم وضوح شرحها في الكتب الدراسية، يدفع الطالب إلى البحث عن معلم خصوصي لتعويض ما ينقصه في المنهاج، فضلاً عن تعمد طلاب التقصير في المذاكرة لرغبتهم المسبقة في الحصول على درس خصوصي قبل الامتحانات»، مطالبين وزارة التربية والتعليم بإعادة صياغة شروحات الدروس في الكتب الدراسية، وتبسيطها، لتسهل على الطلاب المذاكرة ومراجعة الدروس.

وعزا التربويون والاختصاصيون الاجتماعيون في مدارس حكومية وخاصة، في أبوظبي، محمد شرف، ومجدي عبدالوهاب، ومازن حسن، وخالد سعد، وكوثر عبدالله، ونجلاء ربيع، ومريم فريد، استمرار تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية إلى مجموعة من الأسباب، تتوزع على الطالب وأسرته والمعلم والمدرسة، مشيرين إلى أن الأسباب التي تدفع الطلبة لتلقي دروس خصوصية هي الضعف في بعض المواد الدراسية، وكراهية الطالب لمدرس المادة، وكثرة غياب البعض وعدم انتظامه في الدراسة، والإهمال، والاتكالية، وتقليد الأصدقاء في تلقي دروس خصوصية، ومحاولة البعض التقرب من المعلمين للحصول على درجات تقييم مميزة.

وقالوا إن «للمعلمين دوراً رئيساً في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، واستمرارها، وذلك بسبب انشغال بعضهم بالعديد من المهام والوظائف، وعدم رغبة البعض في المهنة، ما يشكل حاجزاً بينهم وبين الطلبة، وإظهار البعض صعوبة المادة لدفع الطلبة للالتحاق بالدروس الخصوصية، وضعف إمكانات البعض، وعدم ملاءمة طريقتهم في شرح المنهاج».

وتابعوا أن «هناك جزءاً من المسؤولية يقع على المدرسة، بسبب ضعف بعض الإدارات المدرسية، وتقصيرها في التوعية بأضرار الدروس الخصوصية، وعدم متابعتها للطلبة المتأخرين دراسياً، وتنظيم برامج دعم أكاديمي خاصة لهم».

وأضافوا أن «انشغال بعض الأسر عن متابعة أبنائها، وعدم تواصلها مع المدرسة، وإهمالها، لعبت دوراً في وجود الظاهرة، وعززت المباهاة بين الأسر تفشيها، إذ تعتقد أسر كثيرة بأن تلقي أبنائهم دروساً خصوصية يعكس نوعاً من الوجاهة الاجتماعية».

وأكد مديرو مدارس حكومية (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) أنهم عمدوا إلى محاربة الدروس الخصوصية، من خلال توفير مجموعات للتقوية في المواد الدراسية كافة، في الفترة المسائية من اليوم، بأسعار رمزية، يتولى خلالها معلمو المواد داخل المدرسة مهمة إعادة شرح الدروس للطلاب، ومراجعتها، ومناقشة الصعاب التي يواجهونها، مؤكدين أن هذه الخطوة حدت إلى درجة كبيرة من لجوء طلبة إلى الدروس الخصوصية.

وأشاروا إلى أن الحل الأمثل للقضاء على هذه الظاهرة يتمثل في تبسيط المناهج الدراسية، وتحسين الأوضاع المالية للمعلم.

بدورهم، أكد طلاب في مدارس حكومية: سيف علي، ياقوت الريامي، أحمد حسين، علي السيد، عبدالله أحمد، عبدالله البلوشي، ماجد عبدالله، أشرف حميد، أن «هناك معلمين يتعمدون التقصير في شرح المنهاج، خصوصاً في المواد العلمية، وتصعيبه، لتعزيز حاجتهم إلى الدروس الخصوصية، إضافة إلى صعوبة المناهج نفسها، وعدم وضوحها بشكل كافٍ في كتب الوزارة.

وقالوا إن غالبية الدروس الخصوصية التي يحصلون عليها هي في الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، والرياضيات، لافتين الى حاجة هذه المواد إلى وقت وجهد كبيرين لفهمها، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه خلال مدة الحصة الدراسية المحدودة.

وأضافوا أن توزيع المناهج على أيام الدراسة في الفصول الدراسية الثلاثة، يحتاج إلى إعادة جدولة، بحيث تصبح الجرعة الدراسية أقل كثافة من الوقت الحالي، لتخفيف الأعباء عنهم، وإتاحة الفرصة لهم لفهم واستيعاب المنهاج بشكل جيد.

كما أكدوا أن «صعوبة المنهاج وتدني أداء معلمين، سببان رئيسان في اتجاههم الى الدروس الخصوصية، لافتين الى أنهم يضطرون إليها لفهم المنهاج بشكل كامل، وتحقيق معدلات النجاح المرجوة».

في المقابل، أكد مدير إدارة مناهج الصفوف العليا في وزارة التربية والتعليم، الدكتور حمد اليحيائي، أن المناهج الدراسية تستوفي الحد الأدنى من المعرفة والمهارات التي على الطالب التمكن منها لمواجهة التحديات المختلفة، بما يسهل التحاقه بمؤسسات التعليم العالي المحلية والدولية، دون حاجة إلى سنة تأسيسية، مشيراً إلى أن «المناهج بنيت لتلبي طموحات الأجندة الوطنية، التي وضعتها القيادة الرشيدة لأجيال الإمارات، وهي تستوفي شروطاً وضوابط عدة في منهجية تقديم المعلومة، والمهارة التي تسعى لتمكين الطالب منها».

وقال اليحيائي: «لا يستطيع أي تربوي إنكار وجود صعوبات في أي مادة دراسية، لأن جزءاً أساسياً من العملية التعليمية مبني على تمكين الطالب من تجاوز محطات تتصف بالصعوبة»، مؤكداً أن «عامل الزمن يعد من أهم العناصر في هندسة محتوى المناهج التعليمية، إذ وضعت المناهج مراعية الجانب الزمني المناسب للطالب لفهمها واستيعابها، والتمكن من تحقيق نواتج التعلم».

وحذّر الطلاب من الدروس الخصوصية، «لأنها تؤثر سلباً في ثقتهم بأنفسهم، وتقضي على دافعيتهم نحو التعلم، وقد تؤدي إلى فقدانهم الرغبة في التعلم تدريجياً، الأمر الذي يفقد العملية التعليمية أهدافها»، مشيراً إلى أن «لجوء الطالب للدروس الخصوصية عادة ما يأتي بغرض تقليل الوقت المستغرق لاستيعاب المنهاج، إضافة إلى تراكمات أيام الدراسة، حيث يلاحظ أن ذروة موسم الدروس الخصوصية تكون خلال فترة الامتحانات».

وأكد أن «الوزارة تعمل على تبسيط المفاهيم العلمية المقدمة في المناهج الدراسية، ومتى ما وجدت طريقة حديثة، وأمثلة أكثر وضوحاً لتقديم مفهوم وناتج تعلم معين، وثبت نجاحها في تمكين الطالب من الهدف التعليمي المرجو، لا يتردد المختصون بإدارة المناهج في دراسته، وتقديم كل ما هو جديد في المناهج والممارسات المتبعة في تقديم المنهج».

وأشار إلى أن «الحل الأمثل للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية يكمن في تعزيز مفهوم التحول نحو مجتمعات التعلم، التي يتكاتف فيها الطلبة في المذاكرة، والتعاون المتبادل في شرح وفهم المناهج الدراسية، في غير أوقات الدراسة، بالتعاون مع إدارة المدرسة».

من جهته، أكد مدير منطقة دبي التعليمية، الدكتور أحمد عيد المنصوري، أن مشكلة بعض المناهج الدراسية تكمن في كم الدروس التي يتعين على الطالب دراستها خلال فترة زمنية محددة، وكذلك الطريقة التي يتعلم بها، خصوصاً في ظل وجود مناهج دراسية تحتاج إلى توضيح وتبسيط، مشيراً إلى أنه - كولي أمر - يجد أن مدارس خاصة تلبي ما يحتاج إليه الطالب من كفايات تعليمية أكثر من مثيلاتها الحكومية.

ولفت إلى أن ضعف معلمي بعض المواد في مدارس مختلفة، يعد سبباً كافياً للجوء طلاب إلى الدروس الخصوصية، إضافة إلى تأثر عطاء المعلم داخل الصف، في حال كان غير مستقر مالياً، ما ينعكس على الطالب وفهمه بالدرجة الأولى.

وفي ما يتعلق بدروس التقوية التي تطبق في المدارس الحكومية، أكد المنصوري أنها «لن تنهي ظاهرة الدروس الخصوصية، لأن غالبية من يلجأ إليها هم من محدودي الدخل، فيما يتجه الطلبة المقتدرون مالياً إلى الدرس الخصوصي».

تربويون:

- كراهية طلاب لمدرس المادة، وكثرة الغياب، ومحاولة التقرب من المعلم لتحسين درجات التقييم من أسباب تفشي الظاهرة.

- تقديم فصول «تقوية» في الفترة المسائية بأسعار رمزية داخل المدارس حدّ من لجوء الطلبة إلى الدروس الخصوصية.

الدعم المدرسي

أكد المدير التنفيذي للعمليات المدرسية في مجلس أبوظبي للتعليم، محمد سالم الظاهري، التوسع في تطبيق برنامج الدعم المدرسي لطلبة الحلقتين الثانية والثالثة، هذا العام، ليشمل 130 مدرسة، لافتاً الى تنفيذه في 48 مركزاً مجهزاً بالكامل.

وأضاف: «ستوفر مراكز الدعم للطلبة كل ما يحتاجون إليه لرفع مستواهم الدراسي على أيدي معلمين أكفاء، في خطوة تهدف للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية».

وتابع: «لتحقيق الاستفادة القصوى من البرنامج، سيطبق ضمن مجموعات صغيرة لا يتعدى عدد الطلاب في الفصل الواحد 12 طالباً».

وأشار إلى اختيار المعلمين المشاركين في البرنامج ممن حققوا نسبة تزيد على 91% في عمليات التقييم التي خضعوا لها، كما يقدم المجلس خدمة نقل الطلبة من منازلهم إلى المراكز، وبالعكس، تجنباً لأية صعوبات أو مشكلات قد تنشأ عن الالتحاق بالبرنامج بعد ساعات الدوام المدرسي.

وتفيد لائحة السياسات التعليمية، الصادرة عن المجلس، بأن العقود المبرمة بين المجلس والمعلمين تمنعهم من إعطاء دروس خصوصية، وتقضي بفصل أي معلم يثبت إعطاؤه دروساً خصوصية، إضافة إلى وجود قرار يحظر على المعلمين التابعين للمجلس تقديم الدروس الخصوصية مدفوعة الأجر لأي طالب يدرس في أي من مدارس أبوظبي، مشيراً إلى أن «المجلس لا يمانع في مساعدة المعلم للطلاب، بشرط ألا تهز هذه المساعدة صورته وهيبته».

وشددت اللائحة على أن المعلمين ملزمون بالعمل مع طلابهم خارج ساعات الدوام الرسمي لتقديم المساعدة الأكاديمية المطلوبة لهم، وأن المدارس ملزمة بوضع البرامج الضرورية لدعم الطلبة وحصولهم على المساعدة التي يحتاجون إليها، لتحقيق المخرجات التعليمية المطلوبة، موضحاً أن المساعدة يمكن تقديمها للطلبة قبل بداية اليوم الدراسي أو بعد انتهائه.

الأكثر مشاركة