إيجابياتها تنعكس على شخصية الطفل في مراحل نموه المختلفة
الألعاب الإلكترونية.. متخصصان يحذران من إهمال الرقابة
أعرب آباء عن مخاوفهم من تأثير الألعاب الإلكترونية على سلوكيات أبنائهم، مؤكدين ميلهم إلى إبداء ردات فعل سلبية أو عنيفة.
وقالوا إنهم قلقون من إمكان تحدثهم مع الغرباء أثناء اللعب، ما قد يعرضهم لجرائم إلكترونية، مثل الاستدراج والابتزاز، لافتين إلى أنهم يواجهون تحدياً حقيقياً، يتمثل في عدم معرفة الطرق المناسبة للحد من مخاطر تلك الألعاب.
وشرحوا أن أبناءهم يقضون ساعات طويلة في اللعب، ويدخلون معهم في مشادات كلامية عند مطالبتهم بالالتزام بساعات لعب محددة، أو حثهم على الابتعاد عن ألعاب معينة.
بدورهما، حذر متخصصان في شؤون الطفل، من إهمال الرقابة الأسرية على الأطفال، والسماح لهم بقضاء ساعات طويلة يومياً على الألعاب الإلكترونية، لافتين إلى أن ذلك «يؤدي إلى الإدمان الإلكتروني، وهي حالة مرضية تحدث نتيجة التعود على هذه الألعاب».
ونبها إلى مجموعة من المخاطر والاضطرابات النفسية والصحية والاجتماعية، التي تصيب الأطفال نتيجة طول فترة اللعب اليومي، ونوعية الألعاب، تشمل اكتساب سلوكيات انفعالية وعنيفة، إضافة إلى الإصابة بالسمنة والكسل وغيرهما، لكنهما أشارا في الوقت نفسه إلى إيجابيات عدة لممارسة هذا النوع من «التكنولوجيا الترفيهية»، أبرزها التعليم الذي يكتسبه الطفل من خلال زيادة المفاهيم والمعلومات، وتطوير المهارات.
وتفصيلاً، قالت (أم عبدالله)، وهي والدة لثلاثة أطفال، إن «أطفالها يقضون ساعات طويلة أمام شاشات الهواتف والتلفاز لممارسة الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي»، مشيرة إلى أنها تضطر في بعض الأحيان إلى قطع الإنترنت، لإجبار أطفالها على التوقف عن اللعب، والدخول معهم في مشادات كلامية بشكل يومي للالتزام بساعات لعب محددة، أو الألعاب التي يجب أن يبتعدوا عنها.
وأضافت أنها «جربت حلولاً عدة مع أبنائها للتخلص مما وصفته بحالة (إدمان) على تلك الألعاب»، لكنها أكدت أن التحدي الأكبر كان في كيفية تقليل فترات اللعب اليومية، خصوصاً خلال أثناء الإجازات.
واتفقت معها رانيا أحمد، الأم لطفلين، التي ذكرت أنها جربت حرمان أطفالها من اللعب نهائياً، بعد اكتشافها أنهم اكتسبوا سلوكيات عنيفة وألفاظاً غربية، من خلال إحدى الألعاب، لكنها ترى أن المنع لن يحل المشكلة، معتبرة أن «الحوار مع الأبناء وتوعيتهم هما السبيل لتنظيم عملية اللعب، والحد من تأثيراتها السلبية على شخصيات وسلوكيات الأطفال».
وأشارت إلى احتمال تحدث الأطفال مع الغرباء أثناء اللعب، ما قد يعرضهم لجرائم إلكترونية، مثل الاستدراج والابتزاز وغيرهما.
من جهته، قال حازم محمود، وهو أب لأربعة لأطفال، إن مراقبة الأبناء أثناء اللعب أو متابعتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، يمثل تحدياً لكثير من الأسر، لافتاً إلى أن هناك أطفالاً ومراهقين لا يتركون هواتفهم أثناء الرحلات العائلية بالمركبة، أو خلال الوجود في الأماكن العامة، أو أثناء تناول الوجبات الجماعية للأسرة، مضيفاً: «هذا أمر مقلق للغاية، إذ أصبح الجهاز الإلكتروني جزءاً أساسياً في حياتهم»، مشدداً على أهمية تطبيق بدائل صحية، مثل الرياضية، وإشراك الأطفال في أنشطة اجتماعية، أو القراءة، وغيرها.
اللعب
بدورها، قالت أخصائية طب الأطفال في مدينة برجيل الطبية، الدكتورة فرح الشيخ بكرو، إن «اللعب يُعدّ أحد الأنماط السلوكية الطبيعية التي يقوم بها الأطفال من أجل الحصول على التسلية والمرح، أو بهدف الحصول على المعلومات واكتساب المهارات، فهو يقوم بدور مهم في تشكيل وعي وشخصية الأطفال».
وأضافت أن «علماء النفس يرون أن اللعب يمثل أرقى وسائل التعبير للأطفال، ويشكل عالمهم الخاص بكل ما فيه من خبرات تؤدي إلى التنمية والقدرة على التخيل والإبداع والتفكير»، مشيرة إلى الدور الكبير الذي تقوم به حالياً الألعاب الإلكترونية.
ونبهت بكرو إلى نتائج دراسات سابقة، أظهرت أن «ممارسة العنف في الألعاب الإلكترونية تسهم في زيادة السلوك العدواني»، لافتة إلى أن «الألعاب الإلكترونية لها جوانبها الإيجابية، فضلاً عن آثارها السلبية».
وأكدت أن الاهتمام الكبير والمتزايد بالألعاب الإلكترونية وارتباطها بالأطفال، دفع عُلماء النفس والتربية إلى دراسة الألعاب وأثرها على مستعمليها من النواحي المختلفة، الصحية والانفعالية والثقافية والسلوكية، مشيرة إلى أنها تُعدّ سلاحاً ذا حدين.
إيجابيات
وأوضحت أن «فوائد وإيجابيات الألعاب الإلكترونية وميزاتها تظهر في نواحٍ عديدة من حياة الطفل، فهي إلى جانب التعليم الذي يكتسبه منها من خلال زيادة المفاهيم والمعلومات وتطوير المهارات، فإنها تُنمي الذكاء وسرعة التفكير لديه، حيث تحتوي العديد من الألعاب على الألغاز، وتحتاج إلى مهارات عقلية لحلها، كما أنها تزيد من قدرته على التخطيط والمبادرة، وتشبع خيال الطفل بشكل لا مثيل له، وتزيد من نشاطه وحيويته، ويصبح ذا معرفة عالية بالتقنية الحديثة، ويجيد التعامل معها واستخدامها وتكريسها لمصلحته، فضلاً عن الترفيه والتسلية».
وأضافت بكرو أن «من إيجابيات الألعاب الإلكترونية أيضاً، أنها تشجع الطفل على ابتكار الحلول الإبداعية للتكيف والتأقلم مع ظروف اللعبة، ويمتد أثرها إلى الواقع العملي، حيث يمكنه تطبيق بعض المهارات التي اكتسبها من خلال اللعب على أرض الواقع في حياته العملية الحقيقية».
سلبيات
وتابعت أنه «مقابل ذلك، توجد سلبيات لممارسة الألعاب الإلكترونية، تظهر آثارها على الفرد خصوصاً، وعلى المجتمع عامة»، مبينة أنه «على الصعيد الشخصي، تُنمي الألعاب الإلكترونية لدى الطفل العُنف وحس الجريمة، لأن النّسبة الكبرى منها تعتمد على تسليته واستمتاعه بقتل الآخرين. كما أنها تعلم المراهقين أساليب وطرق ارتكاب الجريمة وحيلها، وأنها تنمي في عقولهم العنف والعدوان من خلال كثرة ممارسة مثل هذه الألعاب، فيكون الناتج طفلاً عنيفاً وعدوانياً».
وأضافت: «تجعل تلك الألعاب الطفل يعيش في عزلة عن الآخرين، والهدف الأسمى لديه إشباع رغباته في اللعب، وبالتالي تتكون الشخصية الأنانية وحب النفس عنده»، مشيرة إلى أن «الدراسات الحديثة أثبتت أن الأطفال الذين يميلون لألعاب العنف ويمارسونها بشكل كبير، لديهم تراجع وضعف في التحصيل الأكاديمي».
وذكرت أنه «ثبت أن نسبة جرائم القتل والسرقة ارتفعت بشكل ملحوظ، جراء ممارسة ألعاب معينة، وكذلك الجرائم الأخلاقية، كالاعتداء والسرقة وغيرهما، كما ثبت أن هذه الألعاب تؤثر أيضاً في الصحة العامة للطفل على المدى البعيد، فهي تؤدي إلى إصابته بالتهابات المفاصل، وقلة المرونة الحركية، والاضطرابات النفسية، إلى جانب أن اللعب فترات طويلة يكوّن لدى الطفل السلوك الإدماني الوسواسي».
تأثيرات
وبيّنت بكرو أنه جاء في الترتيب الأول بالنسبة للتأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية: الإصابة بالألم في الرقبة والظهر والانحناء، يليه ضعف البصر وأمراض العيون، وذلك بمحور التأثيرات الصحية، ثم الإهمال والكسل والخمول، وأخيراً تعليم سلوكيات «النصب والاحتيال».
وأضافت أن محاور التأثيرات للألعاب الإلكترونية، تنوعت، حيث جاء في المقدمة «التأثيرات الصحية»، ثم «التأثيرات على مستوى التحصيل الدراسي»، ثم «التأثيرات الأخلاقية والتربوية»، تلتها «التأثيرات النفسية والاجتماعية».
وأفادت بأن هناك طرقاً عدة لتجنب مخاطر الألعاب الإلكترونية على الأطفال، مثل تشجيع ممارسة هوايات أخرى وأنشطة مختلفة، وتخصيص وقت محدد للألعاب، وتحفيز الطفل على ممارسة الرياضة، وحظر الهواتف النقالة لمن يقل عمرهم عن ثلاث سنوات، والتواصل المستمر مع الطفل، ومراقبة المواقع والألعاب التي يزورها ويستخدمها الطفل.
مسؤولية مشتركة
من جانبه، أكد رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية الطفل، فيصل الشمري، أن هناك مسؤولية مجتمعية مشتركة لدرء مخاطر التقنيات الحديثة، والحد من تأثير الألعاب الإلكترونية الخطرة في الأطفال، وفي مقدمتها الأسرة، والمدرسة، ومؤسسات المجتمع المدني، وكذا شركات الاتصالات الوطنية، التي تقع على عاتقها مسؤولية تطوير ممكنات رقابة الأهالي، والسلطات الرقابية وأجهزة إنفاذ القانون المحلية والاتحادية لفرض أولوليات التطوير والتوعية، لاسيما في ظل المسؤولية الأخلاقية والمدنية على الشركات التقنية ومزودي خدمات الإنترنت ومطوري الألعاب الرقمية التفاعلية.
وحذر الشمري من خطر إدمان الألعاب الإلكترونية، وهو اعتياد الطفل قضاء ساعات طويلة على أمام الأجهزة الإلكترونية، ما يترتب عليه تأثيرات نفسية واجتماعية وصحية وسلوكية، قد تحتاج إلى تدخل علاجي وطبي ونفسي.
كما نبه إلى خطر بعض الألعاب الإلكترونية التي تنمي سلوكيات العنف والمخاطرة لدى الأطفال، ما يترتب عليه وقوع حوادث، ويعود ذلك إلى إهمال من جانب الأهل، وضعف التواصل والرقابة الأبوية، وعدم بناء وعي ذاتي لدى الأطفال.
تشديد الرقابة
وشدد الشمري على أهمية تشديد الرقابة على شراء ألعاب مصنفة لفئات عمرية أكبر من عمر الأبناء، أو ألعاب تحتوي على تسويق سلوكيات إجرامية أو لا أخلاقية، أو موجهة لأغراض متطرفة، أو حتى تتيح التواصل مع الأغراب من دون رقابة الأهالي، معتبراً أن التخاذل في تطبيق ذلك يعد إهمالاً صرفاً يساءل ويعاقب عليه القانون.
ولفت الشمري إلى أن «بعض الدراسات تشير إلى أن واحداً من كل أربعة مراهقين وواحداً من كل أربعة شباب بالغين مصابون بمقدمات مرض السكري، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه الصعودي. وجزء كبير من ذلك بسبب تغير أنماط السلوك، ونقص المجهود البدني مقارنة بذات الفئات العمرية قبل عقد من الزمان»، مشيراً إلى أن «هذه التغيرات في أنماط السلوك البدني ستسبب أمراضاً أخرى مزمنة ومشكلات صحية متوارثة».
بحث وجدل
برزت الألعاب الإلكترونية في بداية ثمانينات القرن الماضي مع التطور العلمي والتكنولوجي والاستخدامات المتعددة للحاسوب، حيث كانت نقلة نوعية ومتميزة، وأصبحت مدار بحث وجدل كبيرين بالنسبة لأهميتها ودورها التربوي وتأثيرها على الكبار والصغار، وفوائدها في تنمية المهارات، لاسيما مهارة التفكير والتخطيط، وبهذا فقد أصبحت هذه الألعاب محط اهتمام الجميع.
وتعد الألعاب الإلكترونية المرحلة المتقدمة من ألعاب الفيديو، بعد أن مرت بمراحل عديدة حتى وصلت إلى شكلها الحالي.
5 معايير لتشخيص الإدمان الإلكتروني
حدد المركز الوطني للتأهيل خمسة معايير لتشخيص حالات الإدمان الإلكتروني، الأول فقدان السيطرة على اللعب، من حيث وتيرة اللعب وكثافته والوقت المستغرق في اللعب والتوقف عن اللعب وسياقه، والثاني تزايد منح اللعب الأولوية إلى حد يجعل اللعب يقدم على الأولويات الحياتية الأخرى والنشاطات اليومية، والثالث الاستمرار أو التصعيد في اللعب على الرغم من مخلفاته السلبية، والرابع نمط اللعب قد يكون مستمراً أو عبر مراحل وتتميز بالتكرار، والخامس آثار سلوكية سلبية، مثل الشعور بالتكدر أو خلل في جوانب مرتبطة بالشخص وعائلته ومجتمعه ودراسته وعمله أو مجالات عملية أخرى. وعرّف المركز المدمن الإلكتروني بحسب التقسيم العالمي للأمراض، بأنه الفرد الذي يعاني اضطرابات إدمان الألعاب، إذا كان خلال فترة 12 شهراً لا يسيطر على عدد المرات التي يلعب فيها، ويقدم اللعب على اهتماماته ونشاطاته الأخرى، ويستمر في اللعب رغم مخلفاته السلبية.
وبيّن أن اضطرابات الإدمان على الألعاب الرقمية والفيديو، توصف بكونها نمطاً لسلوك لعب مستمر على هذه الألعاب التي قد تلعب عبر الإنترنت أو عبر وسائل أخرى، مشيراً إلى أن الاختصاصي يحتاج فترة تصل إلى سنة لكي يتمكن من تشخيص سلوك إدمان الألعاب والخصائص الأخرى، وقد تقصر هذه المدة إذا توافرت جميع متطلبات التشخيص وظهرت الأعراض جلياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news