«بيوت منتصف الطريق» ملاذ آمن للمتعافين من الإدمان
كشف وكيل وزارة الصحة المساعد لقطاع المستشفيات، الدكتور يوسف السركال، أنه سيتم اعتماد تطبيق «بيوت منتصف الطريق»، والتي تعتبر مراكز لتأهيل المتعافين من الإدمان، وملاذاً آمناً يسمح للمرضى بالبقاء لفترات تصل إلى سنة، ما يساعد على تعافيهم.
العائـــــدون مـــن الإدمـــــــــــــان لم يثبت علمياً حتى اللحظة أن لإدمان المخدرات دوافع وراثية، لكنّ هناك إجماعاً على أنه مرض له أسباب نفسية ومجتمعية. وإذ يحدد القانون نوعين للمدمنين: أحدهما يصر على إدمانه فيصبح متهماً، وآخر يطلب العلاج فيعامل كمريض يحتاج إلى يد المساعدة، فإن نظرة المجتمع إلى النوعين واحدة، حتى في حال التعافي من الإدمان، الأسرة تلفظ ابنها، والزوجة تطلب الطلاق، وسوق العمل ليست أكثر رحمة، في حين تظل «بوابة الانتكاسة» مفتوحة على مصراعيها. ورغم الجهود المبذولة لاستيعاب المتعافين، وتشجيع المدمنين على الإقلاع عن المخدرات، إلا أن الدولة مازالت تعاني نقصاً في عدد مراكز العلاج والتأهيل، ونقصاً في الكوادر الطبية المؤهلة، ومحدودية عدد الأسرّة المتاحة في المصحات العلاجية الحكومية، وضعف برامج الرعاية اللاحقة، فضلاً عن جملة من التحديات الصحية والاجتماعية والقانونية، التي تكون سبباً في عودة المتعافين إلى دائرة الإدمان مرة أخرى. في ملف «العائدون من الإدمان»، تسلط «الإمارات اليوم» الضوء على التحديات التي تواجه المدمنين في رحلة العلاج، والأسباب التي تؤدي إلى الانتكاسة، ورؤى الجهات الطبية والشرطية والقانونية والمختصين، في كيفية تبني استراتيجية وطنية شاملة، للحد من انتشار الإدمان. أسر تبلغ عن أبنائها المدمنين كشف مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الاتحادية في وزارة الداخلية، العقيد سعيد بن توير السويدي، أنه تم ضبط 607 من المتعاطين للمخدرات، خلال العام الماضي، بينهم عدد كبير تم ضبطهم بناء على بلاغات من أسرهم، وتم التعامل معهم بسرية تامة، وتحويلهم إلى مراكز علاجية، داعياً الأسر إلى الإبلاغ عن الأبناء المتعاطين للمخدرات، من أجل التدخل المبكر، والعمل على علاجهم. 80 عملية دولية و9 أطنان مخدرات أكد مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الاتحادية في وزارة الداخلية، العقيد سعيد بن توير السويدي، أن الإمارات تلعب دوراً محورياً في مكافحة تهريب المخدرات على المستوى العالمي، إذ أسهمت جهودها، خلال السنة الماضية، في ضبط 80 عملية دولية في أكثر من 22 دولة، صودر فيها أكثر من تسعة أطنان من المواد المخدرة. |
وأضاف أن الوزارة ستفتتح مستشفى جديداً للصحة النفسية وعلاج الإدمان، مطلع العام المقبل، لافتاً إلى وجود خطة وطنية لتطوير خدمات علاج اضطرابات الإدمان، في مراكز وأقسام الصحة النفسية الموجودة في المستشفيات التابعة لها، وزيادة عدد الأسرّة المخصصة لعلاج هذه الحالات، وسد النقص في الكوادر الطبية المتخصصة في هذا الشأن.
وتفصيلاً، قال السركال، لـ«الإمارات اليوم»، إن «الوزارة تباشر حالياً إنشاء مبنى مستشفى الأمل للصحة النفسية في دبي، وسيتم افتتاحه مطلع العام المقبل، ويقام على مساحة 107 آلاف و633 متراً مربعاً، بسعة 277 سريراً، وينفذ المشروع وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية للطب النفسي، ومعايير العمارة الخضراء للمنشآت الصحية LEEDHC، التي سيتم تطبيقها لأول مرة في المنطقة».
وأكد أن «الوزارة تعتزم زيادة عدد الأسرّة المخصصة لعلاج مرضى اضطرابات الإدمان بالمبنى الجديد، حيث سيتم تخصيص 80 سريراً لعلاج وتأهيل مرضى الإدمان، وفق أحدث المعايير العالمية التخصصية، وستتم الاستفادة من إمكانات المستشفى الجديد في علاج هؤلاء المرضى».
وأشار إلى أن «الوزارة خصصت، أخيراً، فريقاً طبياً لعلاج اضطرابات الإدمان بمستشفى الأمل في دبى، إيماناً منها بالطبيعة الخاصة لمرض ومريض اضطرابات الإدمان، ويقوم الفريق بمناظرة حالات اضطرابات الإدمان في العيادة الخارجية، كما يشرف على علاج المرضى المنومين بالقسم الداخلي في المستشفى، الذي يضم حالياً 20 سريراً لعلاج هؤلاء المرضى».
وحول إعادة تأهيل المرضى، أشار السركال إلى أنه «جارٍ تطوير برامج العلاج والتأهيل لمرضى اضطرابات الإدمان في المستشفى، ويعقد الفريق العلاجي جلسات حوارية مع مختلف الجهات المعنية بعلاج وتأهيل مرضى اضطرابات الإدمان، منها المركز الوطني للتأهيل، وإدارة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية، للاستفادة من الموارد المتاحة لدعم تعافي المرضى».
ولفت إلى أن «الوزارة لديها نظرة شاملة لمرض الإدمان، بمختلف جوانبه وتأثيراته في المريض، إذ تعتبر الإدمان مرضاً له طبيعة خاصة، وللمريض احتياجات علاجية وتأهيلية محددة، توفرها الوزارة من خلال برامج علاجية وتأهيلية، تتماشى مع أحدث ما توصل إليه العلم في هذا الشأن».
ونبه إلى أنه «من طبيعة اضطرابات الإدمان المساس بمختلف جوانب حياة المريض، الجسدية والمجتمعية والأسرية والقانونية في بعض الأحيان، وبناء على ذلك يتم توفير الكوادر الطبية المتخصصة، مثل المعالجين النفسيين والاجتماعيين، وأخصائيي العلاج المهني وغيرهم، ممن لهم دور أساسي في برامج العلاج والتأهيل».
وبشأن وجود نقص في الكوادر الطبية المتخصصة في مجال الإدمان داخل مستشفيات الوزارة، أكد السركال أنه يوجد نقص عالمي في التخصص النفسي، لاسيما في ما يتعلق بعلاج الإدمان، وتسعى الوزارة إلى إيجاد الحلول اللازمة لسد هذا النقص.
وكان متعافون من الإدمان شكوا نقص البرامج التأهيلية لعلاج الإدمان، مؤكدين أن العلاج المقدم في المصحات العلاجية يقتصر على سحب المخدر من جسم المدمن، دون برامج تأهيلية تساعده على الاستمرارية وعدم الانتكاس.
ورداً على ذلك، قال السركال إن علاج اضطرابات الإدمان يعتمد على مرحلتين: الأولى إزالة السمية بسحب المخدر، وفي هذه المرحلة تتم مساعدة المريض على تحمل الأعراض الانسحابية باستخدام الأدوية اللازمة، والمرحلة الثانية هي مرحلة التأهيل ومنع الانتكاس، ولهذه المرحلة طرق ومناهج عدة، يعتمد بعضها على بقاء المريض في بيئة آمنة، مثل المستشفى، أو ما يطلق عليه «بيوت منتصف الطريق» لفترات طويلة، تراوح بين ستة أشهر وسنة، ويعتمد البعض الآخر على بقاء المريض لفترة قصيرة نسبياً (ثلاثة إلى أربعة أسابيع)، واستكمال البرنامج في زيارات متكررة للمريض في العيادة الخارجية، ولكل منهج مميزاته وعيوبه.
وتابع أن البرامج المطبقة في وزارة الصحة، حالياً، تتبنى المنهج الثاني، لكن بعض المرضى قد يحتاجون إلى فترات أطول، والبعض الآخر يهملون المراجعة، بعد تلقيهم العلاج ما يؤدي إلى انتكاسهم، مشيراً إلى أنه مع زيادة عدد الأسرّة والتوسع في الخدمات العلاجية، سيتم اعتماد أكثر من برنامج للعلاج، وتطبيق منهج بيوت منتصف الطريق، والتي تسمح للمرضى بالبقاء لفترات تمتد إلى أشهر.