شركات «تأمين صحي» تحـرم مرضى نفسيين من العلاج لارتفاع كلـفته
طالب مرضى نفسيون شركات التأمين الخاصة بإدراج الأمراض النفسية والعصبية ضمن قائمة الأمراض التي يشملها التأمين الصحي، موضحين أن إجمالي كلفة علاجهم سنوياً تزيد على 22 ألف درهم، ما يدفع كثيرين منهم إلى التوقف عن العلاج، الأمر الذي يسبب انتكاسة حادة في بعض الأحيان.
وأكد استشاريون نفسيون أن كلفة الأدوية النفسية تفوق الأدوية الأخرى، مشيرين إلى أن بعض المرضى لا يراجعون العيادات النفسية الخاصة إلا عندما تصل حالاتهم إلى مراحل حرجة، بسبب عدم إدراج أمراضهم في وثائق تأمينهم الصحي، ما يدفعهم إلى العزلة. ولفت عضو المجلس الوطني الاتحادي، رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئة، سالم الشامسي، إلى عزم اللجنة مناقشة شمول الأمراض النفسية بالتأمين الصحي، ضمن خطة الفصل التشريعي المقبل.
في المقابل، أكد مديرو شركات تأمين خاصة أن الأمراض النفسية مستثناة من التأمين بسبب ارتفاع كلفتها، فضلاً عن ارتفاع كلفة الأدوية التي تعالجها، وفرّقوا بين الأمراض النفسية العابرة، التي ترتبط بظرف صحي محدد، مثل القلق أو الاكتئاب، وبين الأمراض التي ترافق أصحابها سنوات طويلة من حياتهم، مثل الفصام، إذ يمكن شمول الحالة الأولى في التأمين، في حين يصعب ذلك مع الحالة الثانية.
وتفصيلاً، طالب المواطن (أبوعمر) شركات التأمين بدراسة تغطية كلفة العلاج النفسي، كونه مكلفاً مالياً، خصوصاً للحالات التي تتطلب علاجاً لفترات طويلة، موضحاً أنه يعاني اكتئاباً متوسط الشدة منذ أكثر من خمسة أعوام نتيجة تجارب مؤلمة مرّ بها، ما اضطره إلى التوجه إلى عيادة نفسية لتلقّي العلاج، ليفاجأ بأن بطاقة التأمين الصحي الخاصة به لا تغطي تكاليف التشخيص والعلاج النفسي، الذي يبلغ - في حدّه الأدنى - 22 ألف درهم سنوياً، إذ تكلف الزيارة الواحدة للطبيب 700 درهم على الأقل، فيما تصل قيمة الأدوية العلاجية إلى 450 درهماً، موضحاً أنه خضع للعلاج بالأدوية لمرض الاكتئاب، الذي امتد لأكثر من عام، قبل أن يصل إلى مرحلة الاستقرار النفسي. وتضمنت هذه الفترة علاجاً لمدة ستة أشهر بالأدوية و12 زيارة للطبيب المختص، أعقبتها مرحلة علاج دوائي وجلسات سلوك معرفي امتدت لنحو ستة أشهر، وبلغ عددها ست جلسات، وتبلغ كلفة الجلسة الواحدة 1000 درهم، علاوةً على أن الطبيب النفسي يطلب من المريض فحوصاً أساسية وتحليلاً شاملاً للدم كل ستة أشهر تقريباً، ليرفقه بملفه، لأن وزارة الصحة ووقاية المجتمع تفرض على العيادات النفسية مثل هذه الفحوص، مشيراً إلى أن كلفة فحص الدم تبلغ 900 درهم في المرة الواحدة.
وتابع قائلاً إنه توقف عن العلاج، بعد مرور نحو عام على شروعه فيه، بسبب عدم قدرته على توفير كلفته، نتيجة ارتباطه بالتزامات مالية أخرى، مثل رسوم مدارس أطفاله الخاصة، فضلاً عن أقساط قيمة السيارة التي يقتطعها منه البنك شهرياً، مضيفاً أنه اضطر - بعد مرور أشهر على توقفه عن العلاج ـ لمراجعة العيادة النفسية التي كان يتعالج فيها سابقاً، نتيجة شعوره بأعراض الاكتئاب تداهمه، مرة أخرى، بقوة أشد من السابق.
وذكرت المواطنة فتحية عبدالله أن ابنها، البالغ 12 عاماً، مصاب بمرض الـ«فصام»، وقد أخبرها الأطباء بأنه مرض لا يشفى منه معظم المصابين به شفاءً تاماً، بل يضطرون إلى المواظبة على العلاج طوال حياتهم، بعد الوصول إلى مرحلة الاستقرار النفسي.
وتابعت أن «كلفة علاج الأمراض النفسية عالية، وترهق المرضى، على الرغم من حاجتهم الماسة إليه، حتى يتمكنوا من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فلو تخلّوا عنه لتعرّضوا لتدهور أوضاعهم الصحية، ولأصيبوا بالعزلة وبعدم القدرة على إدارة شؤون حياتهم»، مناشدة الجهات المعنية إدراج الأمراض النفسية في وثائق التأمين الصحي.
وتساءلت المواطنة علياء بدر العامري عن سبب التفرقة بين المرض النفسي والمرض العضوي، مطالبة وزارة الصحة ووقاية المجتمع بأن تفرض على شركة التأمين المتعاقدة معها وثيقة موحدة تلزمها بإدراج الأمراض النفسية ضمن لائحة الأمراض التي تغطيها، لاسيما أن العلاج النفسي ليس ترفاً، بل ضرورة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسائر الأمراض الأخرى.
وتابعت: «على الرغم من توافر العلاج في المستشفيات الحكومية، إلا أن المريض المصاب بمرض نفسي يفضل التوجه إلى العيادات الخاصة، تجنباً للمواعيد البعيدة والإجراءات الكثيرة التي يواجهها في المستشفيات الحكومية، فضلاً عن رغبة بعضهم في أن يظل مرضهم طيّ الكتمان، بسبب النظرة الاجتماعية لهذه النوعية من الأمراض، والتشكيك المستمر في قدرة المصابين بها على التصرف بصورة عقلانية»، مضيفة أن «المريض يصطدم بالكلفة العالية للعلاج النفسي، وقد يكون ذلك سبباً لامتناعه عن مواصلة العلاج».
نفقات مستثناة
من جهته، قال مدير عام شركة دبي للتأمين، عبداللطيف أبوقورة، إن «نفقات العلاج النفسي مستثناة من التأمين الصحي. ووفقاً لوثيقة التأمين الموحدة الصادرة من هيئة الصحة في دبي، فالأمراض النفسية والعقلية غير مغطاة في مجملها»، مشيراً إلى وجود عدد قليل من المرضى النفسيين الذين يطالبون الشركة بتغطية نفقات علاجهم النفسي.
وأكد المدير التنفيذي للشركة المتحدة للتأمينات العامة، عبدالزهرة عبدالله علي، أن «استثناء العلاج النفسي من التأمين يعود الى ارتفاع كلفته، فضلاً عن أن بعض الأمراض النفسية لا يوجد مدة محددة لعلاجها، فقد تستمر لأعوام متواصلة».
وأشار إلى إدراج بعض الحالات من الأمراض النفسية ضمن قائمة الأمراض التي يشملها التأمين الصحي، في حال الاتفاق بين المتعامل وشركة التأمين. وتحدد المنفعة التي سيحصل عليها على مدار العام مقابل مبلغ إضافي يدفعه للشركة، وفي حال أراد الحصول على الخدمة نفسها عند تجديد بوليصة التأمين يسمح له بذلك.
وعزا مدير عام إحدى شركات التأمين في إمارة الشارقة، فضّل عدم نشر اسمه، عدم تغطية التأمين الصحي للأمراض النفسية إلى وجود لائحة تتضمن الأمراض المغطاة بالتأمين، فبعض الشركات تشمل بالتأمين أمراضاً نفسية، كالقلق والاكتئاب والأمراض الأخرى الناتجة عن عارض نفسي، وليس الأمراض النفسية المزمنة، كونها تحتاج إلى علاج طويل المدى.
وعن أكثر الأمراض النفسية التي يعانيها المواطنون المسجلون في قائمة تأمينات الشركة، قال إن «العيادات النفسية داخل المنشآت الصحية عموماً تستقبل المصابين بأمراض نفسية عدة، أغلبها التوتر والقلق والاكتئاب، وهي أعراض يعانيها عدد من الأشخاص نتيجة ضغوط الحياة».
طول فترة العلاج
وأفادت مديرة إدارة واحات الرشد في دائرة الخدمات الاجتماعية بالشارقة، أمينة حسين الرفاعي، بأن بعض الأمراض النفسية أو العقلية تحتاج إلى فترات علاج طويلة، فمثلاً حالة «الفصام» يستغرق علاجها مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر للوصول إلى مرحلة الاستقرار الصحي، أما العلاج فقد يستمر مدى الحياة، وفق طبيعة كل حالة، ومدى استجابتها للعلاج.
وأشارت إلى أن «الخطة العلاجية تختلف مدتها من مريض إلى آخر، وفي بعض الحالات قد يتطلب تجديدها بسبب اكتشاف جوانب أخرى من المرض»، موضحة أن «(الفصام) مرض عقلي يوصف باضطراب في التفكير والوجدان والسلوك، وهو من الأمراض العقلية التي تسبب لصاحبها مشكلات تبعده عن أهله وأصدقائه ودراسته وعمله، وتدفعه إلى العزلة والانطواء، ما لم يخضع لعلاج نفسي ودوائي مستمرّين».
وقالت استشاري الطب النفسي في مركز دبي لصحة المجتمع، الدكتورة حنان حسين، إن «الزيارة الأولى للطبيب النفسي تختلف من عيادة إلى أخرى، إلا أن كلفتها تبدأ من 700 درهم وتصل إلى 1200 درهم، أما الأدوية فتصل كلفتها إلى 700 درهم شهرياً، وفي بعض حالات تستدعي أن يصف الطبيب للمريض أكثر من نوع من الأدوية في وقت واحد، ما يكلفه مبالغ مضاعفة شهرياً»، مشيرة إلى أن «الأدوية المخصصة لعلاج الأمراض النفسية تصنّف بأنها أعلى سعراً من أدوية علاج الأمراض الأخرى».
وتابعت: «يضاف إلى كلفة المراجعات والأدوية النفسية الفحوص الأساسية التي تطلبها العيادات النفسية من المريض، وتتضمن فحصاً شاملاً للدم، وفحص وظائف الكبد والكلى، وغيرها، وتكون كل عام تقريباً، إلا في حال استجد ما يتطلب إخضاع المريض لفحص استثنائي، فالطبيب يُخضع بعض المرضى النفسيين الذين يتناولون أدوية محددة لفحص عام على فترات متقاربة، وهذه القيمة تضاف إلى الكلفة الإجمالية للعلاج النفسي».
وذكرت أن بعض المرضى النفسيين، نظراً إلى عدم إدراج الأمراض النفسية في وثائق التأمين الصحي، التي تصدرها شركات التأمين الخاصة بهم، فإنهم لا يراجعون العيادات النفسية الخاصة إلا حين تصل حالاتهم إلى مراحل حرجة، وبعد تلقّي العلاج والوصول إلى مرحلة الاستقرار يتوقفون عن العلاج لعدم قدرتهم على سداد تكاليفه، ما يؤدي إلى انتكاس حالاتهم، ووصولها إلى مراحل أكثر حدة من السابق.
وأشارت إلى وجود أمراض واضطرابات نفسية يستغرق علاجها أعواماً متواصلة، وقد يتطلب أن يخضع المريض للعلاج مدى الحياة - مثل اضطراب القلق واضطراب الوسواس القهري، والفصام وبعض حالات الاكتئاب، والاضطراب الوجداني (ثنائي القطب)، إضافة إلى اضطرابات الشخصية - مبينة أن إجمالي الكلفة السنوية للعلاج النفسي لأيٍّ من هذه الأمراض يزيد على 20 ألف درهم.
إلى ذلك، قال عضو المجلس الوطني الاتحادي رئيس لجنة الشؤون الصحية والبيئة في المجلس، سالم عبيد الشامسي، إن «إدراج الأمراض النفسية ضمن قائمة الأمراض المغطاة بالتأمين الصحي ضرورة تستدعيها الحاجة، وستطرح ضمن الفصل التشريعي المقبل، فهذه الفئة من المرضى يجب إدراجها ضمن الوثيقة الموحدة في شركات التأمين»، مؤكداً أن «الدولة لم تألُ جهداً في توفير عيادات نفسية في المستشفيات الحكومية، إلا أن بعض المرضى النفسيين يفضلون العيادات الخاصة، ما يكلفهم دفع مبالغ مالية طائلة، الأمر الذي يستدعي توفير تأمين صحي لحالاتهم».
مديرو شركات تأمين خاصة: «استثناء الأمراض النفسية من التأمين الصحي يعود إلى ارتفاع كلفتها».