230 شكوى طبية سنوياً.. و20 «تشخيصاً خاطئاً»
يجد أشخاص أنفسهم ضحايا لأخطاء طبية، أو تشخيص خاطئ، بسبب قلة خبرة الطبيب، أو الإهمال، أو غيرهما من الأسباب.
وتلقت «الإمارات اليوم» شكاوى من أشخاص أكدوا فيها مرورهم بتجارب من هذا النوع، في الوقت الذي ينصح فيه أطباء بعدم الاعتماد على وجهة نظر واحدة في المسائل التي تستدعي إجراءات طبية حاسمة، مثل العمليات الجراحية.
أما الحالات التي ترتقي فيها شكاوى طبية إلى الجهات المختصة، فتبادر وزارة الصحة ووقاية المجتمع فيها إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة للتأكد من وجود الخطأ فعلاً من عدمه، والجهة أو الطرف المسؤول عنه، إذا ثبت وقوعه، وتالياً معاقبته وفقاً للقانون.
وأكدت الوزارة لـ«الإمارات اليوم» أن عدد ما تتلقاه من شكاوى متعلقة بالإجراءات الطبية، وحالات سوء التشخيص، هو 250 شكوى سنوياً، وهو يعتبر بسيطاً جداً إذا قورن بعدد المرضى والمراجعين في العيادات والمستشفيات الحكومية والخاصة.
بدورها، أفادت اللجنة العليا للمسؤولية الطبية في الدولة بأنها تحقق في كثير من الشكاوى المتعلقة بسوء التشخيص، الذي عزته إلى قلة خبرة الطبيب وعدم دقة الفحص.
وتفصيلاً، قضى المريض أحمد يوسف أياماً صعبة، بعدما أكد له طبيبه أنه مصاب بتضخم في عضلة القلب، إذ تقلب على سرير القلق ليالي طويلة، وأجرى بحوثاً كثيرة عبر الإنترنت لمعرفة طبيعة مرضه، وما يحيط به من مخاطر، ولم يصدق نفسه عندما راجع طبيباً آخر أكد له أن الأعراض التي يعانيها نتاج ارتفاع طفيف في ضغط الدم.
وتساءل عما كانت ستنتهي إليه حاله لو أنه داوم على تناول الوصفة الطبية السابقة، ولم يطرق باب عيادة أخرى.
وتكررت المشكلة ذاتها، على الرغم من اختلاف تفاصيلها، مع باسم أحمد، الذي تلقى علاجاً طويلاً من أعراض «التهاب البواسير»، وفقاً لما أكده له طبيبه.
وعندما عاود الفحص عند طبيب آخر، بعد أشهر من المعاناة، أكد له الطبيب الجديد أن مشكلته سببها القولون، وأن تشخيص الطبيب السابق كان خاطئاً.
وقالت سلمى محمد إنها ذهبت إلى أحد أطباء العظام في مستشفى خاص بسبب آلام في الرقبة، ليفاجئها الطبيب بأن لديها مشكلة في الفقرات تتطلب إجراء جراحة عاجلة.
ولمزيد من الدقة، ذهبت إلى طبيب آخر، لتفاجأ به يؤكد لها عدم حاجتها إلى إجراء أي عمليات جراحية، وأن شفاءها يتطلب بعض الأدوية، إضافة إلى العلاج الطبيعي.
وذكر وليد إبراهيم أنه ظل يعالج من ألم في قدمه عاماً كاملاً، بعدما أكد له طبيبه أن الألم ناتج عن التواء بسيط في قدمه، لكن طبيباً آخر اكتشف وجود التهاب في منطقة أسفل القدم، ليتبين أن هذا هو السبب الحقيقي للألم.
وأكدت وزارة الصحة أنها تستقبل 250 شكوى سنوياً حول إجراءات طبية مختلفة، منها نحو 20 شكوى تتعلق بسوء التشخيص من أطباء.
وقالت إن عدد الشكاوى يعد بسيطاً إذا قورن بعدد المرضى والمراجعين للعيادات والمستشفيات الحكومية والخاصة.
وأكدت أنها تقوم بدورها كجهة صحية تشريعية بالتحقيق والبت في الشكاوى من خلال تشكيل لجان تحقيق متخصصة في مجال الشكوى، تحددها لجنتا «المسؤولية الطبية» و«الرقابة على الممارسات الطبية».
وشرحت أنها تعرض الشكاوى على لجان متخصصة للتحقيق فيها، وتحديد الجهة المسؤولة عن ارتكاب الخطأ الطبي في حال ثبت وقوعه.
وأضافت أن «سوء التشخيص نوع من أنواع الخطأ الطبي، لأنه يسهم في العلاج، فإن صحّ أدى إلى الشفاء، أما عدم دقته فيحول دون تحسن صحة المريض. وفي حال ثبت خطأ الطبيب في تشخيص المريض تتخذ الإجراءات المدرجة في القانون الاتحادي رقم (5) لسنة 2019 في شأن تنظيم مزاولة مهنة الطب البشري».
وقالت إن إبلاغ المريض أو ذويه بالمضاعفات التي قد تنجم عن التشخيص، أو العلاج الطبي، أو التدخل الجراحي، من أبرز مهام الطبيب.
من جهته، أكد رئيس اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، الدكتور عبدالرزاق مدني، أن اللجنة تحقق في كثير من الشكاوى المتعلقة بسوء التشخيص الطبي الذي تنتج عنه أضرار جسيمة لمرضى من دون داعٍ.
وأوضح أنه «لا يمكن إدراج سوء التشخيص الطبي تحت مظلة الأخطاء الطبية إلا بعد الاطلاع على المعطيات التي استند إليها الطبيب في تشخيص الحالة، وتحديد خطته العلاجية، وفي حال كانت المعطيات سليمة ومنطقية، فإن الحالة لا تشخص كخطأ طبي، ويحدث العكس في حال كانت المعطيات غير منطقية».
ولفت إلى أن أبرز أسباب سوء التشخيص، قلة خبرة الطبيب، وعدم الدقة في إجراء الفحص، مؤكداً أن «الطبيب يتحمل المسؤولية كاملة في حال تعرض المريض لأية مضاعفات خطرة».
ونصح المدني المرضى باستشارة أكثر من طبيب في حال عدم الاستجابة للعلاج الذي قدمه الطبيب الأول، وهو ما يتعين عليهم فعله أيضاً في حال تطلب الأمر إجراء عملية جراحية للتأكد من أنه لابد منها، وأنها ضرورية لإتمام العلاج.
وأشار إلى أن المشكلات الناتجة عن سوء التشخيص الطبي تتضمن تناول مرضى أدوية خاطئة لفترات طويلة، وإجراء عمليات غير ضرورية.
وقال أخصائي الصحة العامة وطب المجتمع، المتحدث باسم جمعية الإمارات للصحة العامة، الدكتور سيف درويش، إن قضايا سوء التشخيص الطبي مرتبطة بالنظام الصحي بشكل عام، مشيراً إلى أن النظام التأميني يلعب دوراً في الرقابة على عمل الأطباء، إذ يتطلب إجراء عملية جراحية ما إجراء الفحوص الطبية التي تؤكد الحاجة إليها، وكذلك الحال بالنسبة إلى النظام المتبع في المستشفيات الحكومية، إذ يتطلب مرور المريض بطبيب الأسرة أولاً، ثم تحويله للطبيب المختص بعد فحصه والتأكد من حاجته إلى ذلك.
واقترح على الجهات الصحية تصنيف الأطباء والعيادات بـ«نظام النجوم»، حسب تاريخهم في التعامل مع المرضى، وتقييم المرضى لهم، ليكون ذلك بمثابة مرجع للمرضى.
من جهته، قال المحامي محمد النجار، إن الطبيب لا يتحمل المسؤولية قانوناً إلا إذا انحرف في سلوكه عن تصرف طبيب من مستواه المهني، أو عند مخالفته الأصول العلمية المستقرة في علم الطب، مع الأخذ في الاعتبار الظروف الخارجية المحيطة به، كما أن المسؤولية الجنائية لا تنعقد تجاه الطبيب في حالة سوء التشخيص الطبي إذا كان مراعياً في تشخيصه الأصول العلمية المتعارف عليها في علم الطب.
وحسب النجار، يوجد فارق بين الخطأ الطبي وسوء التشخيص، حيث يعتبر الأول تقصيراً في مسلك الطبيب، ما يرتب مسؤوليته نتيجة إخلاله بالالتزام الذي وقع على عاتقه، كما عرفه القانون الاتحادي رقم 10 في شأن المسؤولية الطبية بأنه «هو الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية يفترض في كل من يمارس المهنة الإلمام بها، أو الذي يرجع إلى الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة».
«عدد الشكاوى المتعلقة بالإجراءات الطبية وحالات سوء التشخيص بسيط جداً مقارنة بعدد المرضى والمراجعين».
«مريض يتلقى أدوية (القلب) لعلاج ارتفاع طفيف في ضغط الدم».
«التواء يسبب آلاماً شديدة.. والتشخيص الثاني يكتشف وجود التهاب».
الخطأ الطبي وسوء التشخيص
قال المحامي محمد النجار: «يعتبر سوء التشخيص الطبي إخفاقاً في عملية تحديد المرض أو الحالة التي تفسر الأعراض والعلامات لدى الشخص، وعادة تجمع المعلومات اللازمة للتشخيص من التاريخ المرضي والفحص الجسماني لطالب الرعاية الطبية».
وأضاف النجار أن «الخطأ الطبي هو الخطأ في تحديد طريقة العلاج الواجب اتباعها لعلاج حالة معينة أو انحراف الطبيب عن المسار الطبيعي لطريقة علاج مرض ما، ومخالفته للأصول العلمية، أما سوء التشخيص فهو الخطأ في تحديد مسببات الأمراض والذي يستفاد منه لتحسين العلاج وتفادي الأعراض الجانبية للأدوية المستخدمة، كما أن سوء التشخيص الطبي لا يترتب عليه بالضرورة الإضرار بالمريض إذ إنه قد ينتج عن سوء التشخيص عدم التقدم في العلاج واستمرار الأعراض، أما الخطأ الطبي فقد ينتج عنه إلحاق الضرر بصحة المريض، وتدهور حالته الصحية أكثر».
وأشار إلى أن العقوبات المقررة للخطأ الطبي وفقاً للمرسوم بالقانون الاتحادي رقم 4 لسنة 2016 بشأن المسؤولية الطبية وفقاً للمادة 34 من القانون نفسه، هي أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تجاوز 200 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من يثبت ارتكابه خطأ طبياً جسيماً على النحو الوارد في هذا المرسوم بقانون، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز 500 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا ترتب على الخطأ الطبي الجسيم وفاة شخص، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة تحت تأثير سكر أو تخدير».