الأسرة الإماراتـية تفتقد أساسيات الحوار
حذرت اختصاصيات أسريات من انعكاس غياب الحوار بين أفراد الأسرة الإماراتية على قدرة أبنائها النفسية والذهنية والسلوكية، في الوقت الذي أشارت فيه دراسة حديثة إلى أن 25٪ من حالات الطلاق سببها غياب الحوار داخل الأسرة.
وذكرت الاختصاصيات أن معظم الأسر الإماراتية «صامتة»، مشيرات الى أنها تفتقر إلى تبادل الأحاديث ومناقشة المشكلات التي تصادف أفرادها.
وأكدن أن الأسرة الإماراتية لم تعتد على الحوار، وأن عقلية العيب والحياء لاتزال مهيمنة على أي لغة تواصل بين أفرادها «إذ يمنع الطفل من الحديث وإبداء رأيه، بحجة الجهل وصغر السن».
وتفصيلاً، قالت مديرة مركز تطوير رياض الأطفال التابع لوزارة التربية والتعليم شيخة الملا، إن معظم الأسر الإماراتية تفتقد أساسيات الحوار، بسبب تغير نمط الحياة الاجتماعية، وابتعاد الوالدين عن القيام بواجباتهما تجاه أبنائهما، لافتة إلى أن «غياب الحوار والنقاش بين أفراد الأسرة، يعد أحد العوامل الرئيسة في وقوع اعتداءات جنسية على الأطفال والإصابة بأمراض نفسية مزمنة».
وأفادت بأن هناك كثيراً من الأسر تتجنب تبادل الآراء مع الأبناء، وتفضل الصمت والاكتفاء بتوفير احتياجاتهم، بدلاً من محاولة الإجابة عن التساؤلات التي تراودهم، أو مجرد الإصغاء لما يقولونه»، لافتة إلى أن «الحوار بين أفراد الأسرة يمثل واحداً من أهم مكونات الشخصية، إذ إنه يمدها بمهارة التواصل التي يمكن للفرد التعايش بها مع المجتمع الخارجي».
وأكدت الملا أن «تغير نمط الحياة وزيادة ساعات عمل الوالدين، واعتماد الأم على الخادمة في تربية الأطفال، حالت دون تخصيص وقت للحوار والنقاش، وهو ما ولّد عند الطفل رهبة وخوفاً شديدين من التعامل مع ذويه، خصوصاً أن معظم حالات الاعتداء والتحرش بالأطفال تتم في غياب الوالدين، ومن دون أن يفصح عنها الطفل».
وتابعت أن «معظم الأطفال يقضون أوقاتهم في المدرسة، ثم يأتي السائق إو الخادمة لأخذه إلى المنزل، حيث يقضي الجزء المتبقي من نهاره وهو يشاهد التلفاز، ثم يتوجه الى سريره لينام، من دون أن يتمكن من الاجتماع بوالديه، أو الإحساس بوجودهما. وفي الإجازة الأسبوعية، يقضي الطفل وقته في المراكز الترفيهية مع السائق أو الخادمة، الأمر الذي يؤثر سلباً في تكوين شخصيته. وقد يصاب بالرهبة والخوف، إضافة إلى صعوبة في النطق التي نعاني من إصابة الأطفال بها، خصوصاً في رياض الأطفال». وذكرت الملا أن لغة الحوار والاستماع مفقودة بين الأطفال وذويهم، مما يولد انعداماً للثقة من جانب الطفل، خصوصاً أن الوالدين غالباً ما يتعاملان بأسلوب الترهيب والتخويف لصرف أبنائهما عن السلوكيات الخاطئة، كما تمتنع أسر عن مناقشة المسائل الجنسية مع أطفالها باعتبارها موضوعات محظورة.
ودعت الملا الأمهات إلى التواصل مع الأطفال، ومراقبة سلوكياتهم على مدار اليوم، والاستعانة بالمربيات المتخصصات، وعدم إلغاء دورهن في احتواء أطفالهم.
إلى ذلك، كشفت رئيسة قسم الرعاية وإعادة التأهيل في مؤسسة دبي لرعاية النساء والأطفال الدكتورة أزهار العلي، أن ضعف الحوار بين أفراد الأسرة، يعد عاملاً رئيساً في التفكك الأسري المؤدي إلى العنف الجسدي واللفظي الواقع على الطفل.
كما أنه يصيبه بأعراض لأمراض نفسية خطيرة، منها الاكتئاب وعدم الرضا عن الذات وفقدان الثقة بالنفس والآخرين، لافتة إلى أن أعداد ضحايا العنف والتحرش والأذى في تزايد مستمر، خصوصاً في الأسر التي لا تعتمد نظام الحوار والنقاشات المفتوحة بين أفرادها. وأوضحت أن الحوار بين الأشخاص يجب أن يكون صحياً، أي أن يمنحهم شعوراً بالارتياح عند تبادل الحديث، ويعزز الصراحة والثقة عندهم. ويشترط في الحوار أيضا ضرورة الوجود الفعلي والتأثير في الأشخاص، من دون فرض الرأي.
وتلاحظ العلي أن معظم الأسر الإماراتية تفتقر لما يعرف بـ«اليوم العائلي»، وهو يوم في الأسبوع تجتمع فيه العائلة لتبادل الأحاديث ومناقشة المشكلات التي تصادف أفرادها، ولا يقتصر هذا اليوم على لقاء الوالدين بأبنائهما، إنما يجب أن يجتمع الزوجان ويتحدثا عن حياتهما الزوجية، محذرة من أن «انعدام الحوار بين الزوجين ينتقل تدريجياً إلى الأبناء».
ومن جانبها، أشارت المستشارة الأسرية في هيئة تنمية المجتمع وداد لوتاه إلى أن وحدة الاستشارات الأسرية التابعة لهيئة تنمية المجتمع تلقت في يناير الماضي 100 طلب استشارة من أزواج مروا بخلافات تهدد أسرهم، بينها 17 طلب طلاق بسبب ضعف الحوار بين الزوجين، أي ما يعادل 25٪ من إجمالي الحالات التي وردت.
وأكدت أن «الأسر الإماراتية لم تعتد على استخدام لغة الحوار، إذ لا يوجد تواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، سواء الزوجان أو الأبناء، وتسود عقلية العيب والحياء على أي حوار، حيث يمنع الطفل من الحديث وإبداء رأيه، بحجة الجهل وصغر السن».
وتحمّل لوتاة الأبوين مسؤولية فقدان الحوار في المنزل، وتلقي باللوم الأكبر على المدارس، لافتة إلى أن الطفل يعتاد على أسلوب التلقين وحفظ المعلومة من دون اعتراض في المدرسة، لأنها تفتقر إلى أسلوب التعليم الحواري القائم على مناقشة الدرس، بين المعلم والطالب، وضرب أمثلة من الواقع، واستيعاب تعليق ورأي الطالب، وإن حمل مفاهيم وسلوكيات خاطئة.
وتابعت «الطفل المقموع يتحول إلى زوج متسلط، ينقل سيطرته إلى أبنائه، ويلغي الحوار والمناقشة من حياته الأسرية».
وناشدت لوتاه الأسر بضرورة اختيار الوقت والمكان المناسبين للحوار، والتعامل بلغة صحيحة، ناضجة، خالية من أسلوب الترهيب والتخويف، مشددة على تخصيص ساعة في اليوم للمناقشة والحوار، تجنباً لتراكم المشكلات التي من شأنها هدم الأسر المستقرة.