شرطة دبي تبتعث 12 مدمناً متـعافــياً إلى الحج
ابتعثت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي 12 مدمناً متعافياً يخضعون لديها للفحص الدوري، لأداء فريضة الحج خلال العام الجاري، مجاناً على نفقة فاعل خير طلب عدم الإشارة إلى اسمه.
وأبلغ مدمنون سابقون انضموا إلى بعثة الحج «الإمارات اليوم»، أنهم دأبوا على تلقي اتصالات لتحديد مواعيد الفحص الدوري من شرطة دبي، لكنهم لم يتوقعوا إطلاقاً أن يفاجئهم اتصال بخبر سار هو الذهاب إلى الحج، لاسيما بعد أن ترسخت قناعاتهم بالإقلاع كلياً عن الإدمان والاندماج مجدداً في حياة كريمة.
وتفصيلاً، أفاد مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، اللواء عبدالجليل مهدي العسماوي، بأن الإدارة تركز حالياً على البرامج التوعوية والاجتماعية لإعادة تأهيل المدمنين وتشجيعهم على الاندماج في المجتمع، لذا بادرت بالتعاون مع حملة الفجر للحج إلى مساعدة عدد من المدمنين المتعافين على أداء فريضة الحج للعام الثاني على التوالي، لتشجيعهم على الاستمرار في طريق الإقلاع عن المخدرات.
وأضاف أن فاعل خير، طلب عدم الإشارة إلى اسمه، تبرع بمبلغ 220 ألف درهم (بشيكين)، لإيفاد 12 شخصاً من المدمنين التائبين لأداء فريضة الحج، لافتاً إلى أن الإدارة اختارت الأشخاص الملتزمين في برنامج الفحص الدوري، مكافأة لهم على التزامهم.
اختيار الملتزمين بالفحص الدوري
قالت الاخصائية الاجتماعية في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي، أمل الفقاعي، إن الإدارة اختارت المدمنين المتعافين الملتزمين ببرنامج الفحص الدوري لأداء فريضة الحج، ووجهت الدعوة لأكثر من 12 شخصاً، لكن عدداً منهم اعتذر لظروف خاصة. وأضافت أن الاختيار وقع على الأشخاص الذين أبدوا رغبة صادقة في أداء فريضة الحج، واستقامت أحوالهم طوال فترة خضوعهم لبرنامج الفحص الدوري، مشيرة إلى أن الإدارة ابتعثت 10 مدمنين للحج للمرة الأولى العام الماضي، وفي العام الجاري ابتعثت 12 حاجاً، وتتمنى زيادة العدد العام المقبل. |
«مفاجأة سارّة»
وحكى أحمد، وهو مدمن متعاف لـ«الإمارات اليوم»، أنه لم يتوقع مفاجأة الحج إطلاقاً، فقد كان يبحث عمن يرافقه إلى الحج هذا العام ولم يجد، كما أن اتصالاته التي يتلقاها من جانب إدارة المكافحة ذات طبيعة خاصة، وتتعلق بالفحص الدوري، للتأكد من خلو جسمه من المخدرات، لكنه فوجئ في إحدى المرات برسالة نصية تبشرّه بمفاجأة سارّة، هي أداء فريضة الحج على نفقة متبرع طلب الدعاء له في البيت الحرام.
واستذكر أحمد بدايته مع المخدرات، وقال إنها كانت في المرحلة الجامعية، وتسبب تعاطيه في حرمانه من إكمال دراسته في الخارج، ليلتحق بجامعة محلية، وتخرج فيها وعمل لاحقاً في إحدى المؤسسات، وكادت أموره تسير على ما يرام، لكن تركه الوظيفة بحثاً عن أخرى، أقعده عامين بلا عمل، فأسهم وقت الفراغ في انخراطه في سلوك خطأ هو تعاطي مخدر الحشيش مع رفقائه، وأدى ذلك إلى تفاقم مشكلة الإدمان لديه.
وأضاف أن التغير الجوهري في حياته حدث حين قبض عليه مع أصدقائه وحكم عليه بالسجن أربعة أشهر، اعتبرها كفيلة لإدراك حجم الخطأ الذي أوقع نفسه فيه، فقرر الابتعاد تماماً عن هذه «الآفة».
ولفت إلى أن أهله وأصدقاءه دعموه بشدة عقب خروجه من السجن، والتحق بوظيفة جيدة، ويعيش حالياً مع أسرته الصغيرة حياة مستقرة آمنة، تكللت بهدية الحج التي أسهمت فيها شرطة دبي.
رحلة مبكرة
إلى ذلك قال «غانم»، وهو مدمن متعاف، إنه عرف عن المخدرات منذ سنّ مبكرة خلال تعليمه الأساسي في الخارج، إذ كان يقضي معظم العام خارج البلاد، ويعود فقط شهرين في الصيف، مشيراً إلى أنه تعرّف هناك إلى أنواع المخدرات، وجرّب تدخين الحشيش مع أصدقائه.
وأضاف أنه استمر في التعاطي عقب عودته حتى قبض عليه مع عدد من أصدقائه، وحكم عليه أربعة أشهر بسبب تعاطي الحشيش، لكنها كانت كافية لتتغير أحواله، خصوصاً أنه حاصل على التعليم الجامعي، وتمكن من الحصول على وظيفة جيدة.
واعتبر غانم أن الشباب يشجعون بعضهم على تعاطي المخدرات، خصوصاً أن بعضهم يعتبر الحشيش ليس مخدراً، أو أنه يؤدي إلى الإدمان، لكنه يمثل بداية الطريق، لأنه يأتي وقت على المتعاطي يراه غير كاف لتوفير النشوة التي يبحث عنها في المخدرات.
وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أثناء وجوده في عمله، لافتاً إلى أنه معتاد الانعزال في ركن جانبي لإجراء هذه المحادثة الهاتفية، لأن لا أحد في عمله يعرف أنه دخل السجن في وقت سابق، لكنه كان يتمنى أن يخبر الجميع بتفاصيل المكالمة وهي اختياره ضمن بعثة الحج.
«تابوت»
وقال طلال (41 عاماً)، وهو مدمن متعاف، إنه كان متعلقاً جداً بوالده أثناء صغره، ودأب على مراقبته وهو يدخن سجائره، حتى بدأ يجرب التدخين بنفسه، ويعرف الحيل التي يتفادى بها كشفه أثناء التدخين، ورأى أن السيجارة العادية مقدمة طبيعية لتعاطي المخدرات، إذ لا يوجد مدمن غير مدخن.
وأضاف «بدأت طريق المخدرات حين كان عمري 17 عاماً في الصف الأول الثانوي، من خلال علبة على شكل «تابوت» أهداها لي صديقي المقرّب، وفيها سيجارة ضخمة من الحشيش»، لافتاً إلى أن أحواله انقلبت كلياً بعد تعاطي هذه السيجارة، لدرجة لا يتخيلها الآن، إذ ترك الدراسة وانخرط في حياة صعبة مع رفقاء السوء.
رحلة مع الهيروين
وأضاف طلال أنه جرّب الهيروين بعد ذلك، حين خرج في نزهة مع أربعة من أصدقائه، وشجعه أحدهم على ذلك حين رآه متردداً، لافتاً إلى أن الهيروين أعطاه شعوراً مختلفاً عن الحشيش، إذ يعزله كلياً عن العالم الخارجي لدرجة تمنعه من التحرك حتى لو علم بوفاة والده.
وأشار إلى أن ارتفاع ثمن الهيروين، وصعوبة الحصول عليه، دفعاه إلى احتراف ترويجه من خلال التعامل مع عدد من التجار الكبار، وجنى أموالاً كثيرة من «تجارة الموت»، وبدأ يرتاد «النوادي الليلية والأماكن المشبوهة»، إلى أن توفي أحد أصدقائه بسبب جرعة زائدة، ما دفعه إلى التفكير مجدداً في ما يفعله.
وأشار إلى أنه قرر التوقف عن الاتجار بعد وفاة آخرين حوله بسبب الإدمان، واكتفى بالتعاطي، حتى قبض عليه وصدر بحقه حكماً بالسجن أربع سنوات، فتغيرت حياته إلى النقيض تماماً، خصوصاً أنه كان متزوجاً حديثاً ورزق بطفل لم يره سوى مرات قليلة بعد ولادته.
وأوضح أنه لم يكن مبالياً بالسجن في الأيام الأولى، لكنه تفاجأ باهتمام من أسرته وزوجته، والتقى بأشخاص ملتزمين داخل السجن، فارتبط بهم وبدأ يصلي وحفظ ثمانية أجزاء من القرآن، ما أسهم في خفض مدة محكوميته إلى ثلاث سنوات.
وتابع طلال «قبل الإفراج عني بيومين تلقيت مكالمة هاتفية من ابني الكبير وعمره أربعة أعوام يبكي ويطلب مني الحضور، لأن جميع أطفال الأسرة برفقة آبائهم فيما عداه، لافتاً إلى أنه تأثر كثيراً بالمكالمة، وفوجئ بقرار الإفراج بعد يومين فقط، فأدرك أن الله يكافئه، وأصرّ على الاستمرار في الطريق الصحيح.
ولفت إلى أنه كان يتوقع عزوفاً من أهله عقب بعد فترة سجنه الطويلة، لكنه وجد ترحيباً من جانبهم، ولم تطلب زوجته الانفصال على الرغم من المشكلات التي تعرضت لها خلال سجنه، مبيناً أن شقيقته الكبرى سألته عقب خروجه عن نواياه، فأخبرها جملة واحدة فقط: «أريد أن أربي أولادي».
وأوضح طلال أنه جرّب معظم أنواع المخدرات في حياته، وخاض حياة صعبة، وتوافرت أمامه بكثرة، لكن لم يقترب منها. واعتبر أن ما حدث له نوع من الابتلاء، مؤكداً أن الإقلاع عن الإدمان يحتاج فقط إلى إرادة وإصرار، مشيراً إلى أنه توقف عن الهيروين بنفسه، ولم يخضع لعلاج، واحتمل فقط بعض المعاناة في البداية، لكن أموره سارت على ما يرام بعد ذلك.
وقال طلال إن مشكلته الوحيدة حالياً هي عدم التحاقه بأي عمل منذ خروجه من السجن، موضحاً أن هذا عائق أمام كثير من المدمنين المتعافين، لافتاً إلى أنه لا يغادر منزله إلا نادراً، حتى لا يلتقي أحداً من أصدقائه القدامى، ويقضي معظم وقته مع ابنه.