فاروق حمادة: خروج الولاء من الوطن «خيانة» شرعاً
أكد المستشار في ديوان وليّ عهد ابوظبي، العالم الاسلامي، الاستاذ الدكتور فاروق حمادة، أن الولاء للدولة بمفهومه المعاصر لا يتعارض مع الولاء للدين بأي شكل من الأشكال، لأن الولاء يعني الحبّ، والتفاني والإخلاص، مشيراً إلى أن «مفهوم الأمن الوطني تغير عن السابق، فلم يعد الاستقرار وعدم الاختراق، أو وجود معارضة، بل إلى متى ستظل سفينة هذا الوطن مستمرة».
وقال خلال محاضرته «حب الوطن في عالم متغير» مساء أول من أمس، في مجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إن وجود الولاء والحبّ خارج الوطن، هو انطماس للفطرة، وجهل بالدين، ومخالفة للواقع، وهو يعتبر خيانة، بالمنطق الشرعي.
وأشار المحاضر إلى أن «العولمة اكتسحت العالم ولم يبق مكان لم تدخله، وأثرت فيه وثبتت جذورها بأشياء عدة، أولها المنظمات الدولية التي بدأت في الظهور بعد الحرب العالمية الثانية، وتكاثرت في الفترة الأخيرة، وقيامها بفرض آرائها على الدول، إضافة إلى أن العولمة أرادت تحويل العالم إلى سوق استهلاكية عن طريق الشركات المتعددة الجنسيات، وقد صاحب ذلك تدفق رأس المال، والتفوق التكنولوجي، وما حققته العولمة من تغيير في شخصية الانسان، وتهيئته لاستقبال التغيير السريع».
وأوضح المحاضر أن «العولمة واجهت توترات، سياسية، ودينية، واقتصادية، في الفترة الأخيرة، وبدأ الناس يعودون إلى ذواتهم، ويتمسكون بما يميزهم عن الآخرين»، مضيفاً أن «هذا الدافع جعل كل وطن، وكل دين، وشعب، يعود إلى تاريخه لمعرفة هويته، وبعض الشعوب بدأت تنهض عن طريق التمسك بهويتها، والحفاظ على نفسها من الذوبان العالمي الجارف، وبدأ تدفق التيار الوطني، وأصبحت اللغة والهوية، والدين، حاضرة، وتتردد بقوة، لا شعورياً، كردّ فعل على العولمة الزاحفة، ما أدى إلى إضعاف مركز العولمة، وصارت في مأزق امام الهوية الوطنية».
ولفت إلى أن الغرب بدأ العودة للبحث عن هويته ضد العولمة، مضيفا أن «انتشار وازدهار احزاب اليمين المتطرف في أوربا ووقوفها ضد المهاجرين مقصده الحفاظ على هويتهم». كما أكد المحاضر أن الدولة الوطنية أصبحت واقعاً، ومقبولة تماماً من الناحية الدينية، ومن يقل غير ذلك فهو واهم، لأن النبي صلى الله وعليه وسلم، كان يأخذ كل قبيلة تحت رايتها في الغزوات، مع أنه كان يستطيع دمجها كلها، إضافة إلى أن العالم الإسلامي لم يكن عبر التاريخ دولة واحدة، مشدداً على أن المستقبل القريب سيشهد تفتت دول كبيرة، مقابل توسع دول صغيرة، وأن التنافس بين الدول لن يتأثر بمقياس مساحة الدولة، أو تعداد سكانها.
وأشار إلى أن المعارك الكبرى انتهت منذ الحرب العالمية الثانية، والسبب أن السلاح لم يستطع حسم المعركة، والناس بدأت تجنح إلى السلم بعد دموية القرن العشرين، والقوة في هذا القرن ستكون للفكرة، وبقدر عمقها سيكون المستقبل، محذراً من التفريط في الهوية الوطنية «لأنها الملاذ الجغرافي والثقافي والديني، والتنازل عنها يعني الذوبان، والاندماج في جغرافيا أخرى».
وأكد المحاضر أن الانتماء هو أحد أهم ثوابت الحفاظ على الوطن، لافتا إلى عدم إمكان قيام وطن من دون ثلاثة أشياء، هي الأرض والشعب، والقيادة، والإسلام ربط الشعب بالقيادة برابط عميق، ووضح دور كل منهما، فالأول حقه على الشعب السمع والطاعة المطلقة، والنصرة المطلقة له ولأولي الأمر، والنصيحة، وتآلف القلوب، وحق الاحترام والتوقير، أما حق الشعب على القيادة ورئيس الدولة، فهي حراسة الدين وسياسة الدنيا، وهما كلمتان تختلفان باختلاف العصور، ووليّ الامر واجبه أن يحفظ على الناس دينهم، وأمنهم في دنياهم. وتابع أن «الاسلاميين خلقوا أزمة مع الدولة الوطنية لأنهم غلفوا أمرا سياسيا يريدون تحقيقه بالدين، بجانب أنهم عراهم شيء من الضغط، فردوا بأعنف مما عراهم، وسعوا إلى افتعال صدام مع الدول.
وطالب المحاضر بإعادة النظر في مفهوم دار الحرب ودار السلم، لأن كل بلدان العالم حاليا تحتوي مسلمين، وقديماً كانت الحروب دائرة بلا هدنة، لكن العالم كله بينه وبين بعض معاهدات، لذلك لم يعد هناك دار حرب ودار سلم، وأصبح العالم كله دار سلم.