ذاكرة الاتحاد

سخاء أبوظبي شجّع الإمارات المتصالحة على الاتحاد

الشيخ زايد أكد أن موارد أبوظبي في خدمة الإمارات كافة.

في مقابلة أجرتها صحيفة «التايمز» اللندنية، تم نشرها في أكتوبر عام ،1968 أكد حاكم أبوظبي أن الاتحاد المثالي في نظره هو الذي يتكوّن من الإمارات التسع، ولكن في حال مواجهة مصاعب في إنجاز ذلك في الوقت الحالي، فإن اتحاداً يضم الإمارات المتصالحة السبع أفضل من اتحاد يضمّ ثلاثاً أو أربعاً منها فقط، خصوصاً بعد أن أكد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أغنى إمارة، أن «بترول أبوظبي وجميع مواردها وإمكاناتها في خدمة جميع الإمارات»، إذ إنها كانت تعلم أن تلك الكلمات تُتبع دائماً بأفعال سخية.

وقد عقد اجتماع للإمارات المتصالحة بعدها بيومين، ناقش الحكام السبعة فيه تحت رعاية بريطانية مشروعات إنمائية تطويرية، ووافقوا على موازنة مقدارها مليونا جنيه استرليني، وميزانية إضافية قدرها 300000 جنيه استرليني، وفي اجتماع بعده بأسبوع تم خلاله الاتفاق على تشكيل لجان للتعليم والصحة والهجرة ومشكلات الجنسية، وكانت أهم اتفاقية تتمثل في إنشاء قوات برية وجوية وبحرية اتحادية تحت قيادة موحدة لتحل محلّ القوات البريطانية بعد انسحابها في نهاية عام ،1971 مع السماح لكل إمارة بالاحتفاظ بحرسها الوطني الخاص.

وفي هذا الوقت، كان الحكّام وعائلاتهم ومستشاروهم قد تقبلوا فكرة أن انضمامهم إلى الاتحاد يفرض عليهم أن يعترفوا بسلطة المؤسسات الاتحادية، وأدت التصريحات المتوالية التي أدلى بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أغنى إمارة، والتي يؤكد فيها أن «بترول أبوظبي وجميع مواردها وإمكاناتها في خدمة جميع الإمارات»، إلى تشجيع الإمارات الأعضاء الفقيرة على الساحل المتصالح على مواصلة المسيرة الاتحادية، لأنها كانت تعلم أن تلك الكلمات تُتبع دائماً بأفعال سخية.

وقد استفادت فكرة قيام الاتحاد كثيراً من وجود مناصر حماسي ومؤيد سخي لفكرة الاتحاد، خصوصاً في نظر المتشككين من المراقبين الأجانب.

وفي اجتماع المجلس الأعلى الذي انعقد في مايو عام ،1969 تم تشكيل لجنة من مستشاري الحكام الخصوصيين والخبراء القانونيين لإعداد مسودة من الدستور في غضون شهرين، ورفعها إلى خبراء قانونيين في الخارج لدراستها وإصدار ملاحظاتهم وتوصياتهم بشأنها.

وقد تم تكليف المستشار والخبير القانوني المصري الدكتور وحيد رأفت الذي طلبت منه حكومة قطر من قبل إبداء رأيه القانوني، دراسة نص المسودة خلال شهر قبل تقديمها إلى الحكّام، وكان الخبير الدكتور السنهوري الذي تم تعيينه في يوليو عام 1968 قد أُصيب بمرض بعد ذلك بقليل، وكان كل ما قام به مساعده الدكتور حسن ترابي حتى ذلك الوقت اقتصر على إعداد استبيان وزيارة حكومات الدول الأعضاء. ويتناقض هذا السير البطيء من قبل خبراء الدستور مع النشاط المتزايد لمستشاري الحكام والشخصيات السياسية المحلية.

وقد تبعت اجتماع المجلس الأعلى الذي عقد في مايو من عام 1969 فترة ركود طويلة في فصل الصيف، ولم تكن زيارة حكام الإمارات الكبيرة الثانية إلى لندن خلال ذلك الصيف مجرّد تزامن، إذ إن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، قاما بزيارات رسمية في أوقات متفرقة، كما أن حاكمي البحرين والشارقة ونائب حاكم قطر توجهوا في زيارات خاصة إلى لندن، وقد أجروا جميعا محادثات مع مسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية، بمن فيهم وزير الدولة جورونوي روبرتس، الذي أوضحت من خلاله الحكومة البريطانية أنها تعلّق أهمية كبيرة على مدى نجاح خطة الاتحاد.

وفي 21 أكتوبر من عام 1969 قدم الحكام التسعة إلى أبوظبي لحضور الاجتماع السادس للمجلس الأعلى، وقد تضمن البيان 13 نقطة، منها انتخاب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس للاتحاد، والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي نائباً للرئيس، كما تضمن اختيار أبوظبي عاصمة مؤقتة، وبناء عاصمة دائمة على الحدود بين دبي وأبوظبي، وتعيين الشيخ خليفة بن حمد نائب حاكم قطر رئيساً لحكومة تضم 13 وزيراً، وتستطيع كل إمارة اقتراح ثلاثة مرشحين إليها. ولم يستعرض المجلس الأعلى وقتها مشروع الدستور بالتفصيل.

أضاف الانتصار الذي حققه المحافظون في الانتخابات المزيد من الشكوك، كما جدد الآمال في أن بريطانيا ستلغي الانسحاب، وفيما كان جوهر الاستشارات الرسمية في يوليو 1970 يشكل إجماعاً عاماً في الرأي، حسب تصريح رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر الأحمد: «نحن لا نقبل بأي وجود أجنبي في منطقتنا، سواء كان بريطانياً أو غيرها». وفيما فسرت الصحافة البريطانية اجتماع وزير الخارجية البريطاني مع الشاه في بروكسل على أنه تحرك حذر نحو استمرار الوجود البريطاني في الخليج، أبلغ معظم حكام الامارات المتصالحة الحكومة البريطانية بأنهم يرحبون ببقاء القوات البريطانية في الخليج. واعتبرت حكومة المحافظين أن قضية الوجود البريطاني في الخليج بأكملها مازالت مفتوحة.

وكان معظم أعضاء الاتحاد أكثر حماساً من أي وقت مضى لاتخاذ قرارات بعدم إجهاض الوضع القائم والتطورات التي كانوا يأملون حدوثها من خلال اتخاذ قرارات حاسمة حول قضايا اتحادية مهمة، وهكذا تم تأجيل الاجتماع التالي لنوّاب الحكام الذي كان من المزمع عقده في 22 أغسطس إلى 24 أكتوبر.

وفي أكتوبر من عام 1970 لم توضح الحكومة البريطانية ما إذا كانت ستلتزم بخطة الانسحاب أو الجدول الزمني المقرر لتنفيذها، غير أن الحكّام كانوا مدركين تماماً على الأرجح أن حكومة المحافظين تعدّ أيضاً لإنهاء دور بريطانيا في حماية الخليج، ونصح وقتها وزير الخارجية في حكومة حزب المحافظين السير أليك دوجلاس س هيوم، الحكّام التسعة بقوة بمواصلة بناء الاتحاد.

*المصدر: من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، فراوكه هيرد ــ باي

تويتر