شيخة تسجّل ذاكرة مدن و« فرجان » منذ 60 عاماً

تعلّمت المصوّرة الإماراتية شيخة محمد مبارك السويدي، التي تجاوزت الـ80 عاماً، التصوير، وهي في الـ18 من عمرها، بعد أن أعارها كاتب هندي الكاميرا الخاصة به، بناءً على طلبها، لتتمكن من التقاط صور تجسّد التراث، مثل الأطفال الذين يدورون بهم على الخيول بعد الختان، والعرسان في يوم فرحهم، ودكاكين العريش قبل اتحاد الإمارات، في فترة وصفتها بالزمن الجميل.

وكان الكاتب الهندي (جيتاه) يعمل في مكتب «كرمكنزي» الإنجليزي الخاص بخدمة المراكب، التابع للمغفور له الشيخ سعيد آل مكتوم، في خمسينات القرن الماضي، «وكان وكيل الشيخ آنذاك يدعى محمد شريف، الرجل الذي عاشت وشقيقها في كنفه بعد وفاة والدهما، وهي في التاسعة من عمرها، إذ كان هذا الرجل يربّي الأطفال اليتامى، فكانا بين 15 يتيماً يعيشون في منزله».

وتتذكر السويدي طفولتها، وهي من مواليد «فريج المرر» في دبي، وتقول: «اعتدنا استقبال مركبين بحريين في خور دبي كل شهر، أحدهما اسمه (السان) والآخر (المعلي)، وكانا يحملان برقيات يتولى محمد شريف ترجمتها، ويطلب منها إيصالها إلى بيت الشيخ سعيد». ولفتت السويدي إلى أن علاقتها بالتصوير التي امتدت لنحو 60 عاماً، «بدأت حين استعارت كاميرا (جيتاه) لتأخذها معها في رحلة إلى الهند، رافقت خلالها زوجة محمد شريف وتدعى فاطمة خان، استغرقت ستة أيام على مركب سردانة، وكان الهدف من رحلتها إجراء عملية جراحية هناك، والتقطت العديد من الصور في الهند للممرضات والمستشفى والمرضى على أسرّتهم».

وبعد عودتها من الهند أعادت لـ(جيتاه) كاميرته، فرآها محمد شريف، وسألها فيما إذا كانت تهوى التصوير، فردّت بالإيجاب، وتابعت «اصطحبني إلى السوق، واشترى لي كاميرا خاصة بي من عند رجل يدعى عبدالكريم كابتن، وهو مالك دور سينما صغيرة متنقلة، كان يدور بها على (الفرجان) لعرض الأفلام على الأهالي»، لافتة إلى أن «الكاميرا كانت من نوع (أغفا) لها ثلاث عيون، وتصوّر تلقائياً، بعد نحو 10 دقائق من تهيئتها للتصوير الذاتي».

وبعد أن صارت للسويدي كاميرا تمتلكها، زاد شغفها بالصور، وتملّكتها الرغبة في تعلّم طرق تحميض الصور وطباعتها، فكان لها ذلك على يد شقيقات رجل يُدعى محمد حبيب آل رضا، مضيفة «اشتريت عُدّة التحميض من سوق الظلام المحاذي لديوان الحاكم في البستكية، وصنعت لي خزانة ووضعت عليها قرطاساً أحمر، واشتريت المحلول الخاص بالتحميض، وبدأت العملية».

وقالت: «كنت أصوّر الرجال بعد عودتهم من رحلة البحر، وهم يُحملون إلى مستشفى البراحة من شدة التعب، أصوّر من على (دكة) في مكان إيقاف العبرات بالقرب من السيف، كما صورت ذات مرة احتراق ميناء دبي على ضفة الخور».

تزوجت السويدي وهي في عمر الـ،12 من محمد أحمد، الذي كان يملك دكاناً من العريش، وتعرفت إليه حين كان يأتي إلى بيت الرجل الذي ربّاها، لقراءة القرآن، (كان صوته جميلاً)، وصادف أنها عملت في صناعة الورود في تلك الأيام، وتابعت «كنت أعطيها لمحمد الذي أصبح في ما بعد (أبوعيالي) ليبيعها لي في السوق، فالنساء يشترينها ليضعنها على النوافذ (الدرايش)». وتابعت مبتسمة: «لا أعرف إن أحبّ يومها الورود أم صاحبتها، لكنه تقدّم لخطبتي من محمد شريف، وكان متزوجاً من امرأتين قبلي»، وقالت: «لبست بعد الزواج البرقع الصغير؛ فالعازبة فقط كانت ترتدي البرقع الطويل، وأصبحت أصوّر عائلتي وأطفالي، أو أصوّر المناسبات من أعراس وختان».

وللسويدي، التي توصف بأنها أول مصوّرة إماراتية، 27 حفيداً من أبنائها الستة، إبراهيم وخالد وسميرة وخلود وأمينة ومنيرة، وقد توفي زوجها محمد أحمد منذ سنوات.

الأكثر مشاركة