%45 من المتحرشين بالأطفـال «أقارب»
قال خبراء مشاركون في منتدى راشد الإنساني الثاني، إن إهمال الأسر، خصوصاً الأمهات، سبب رئيس في تعرض الأطفال، خصوصا ذوي الإعاقة، للتحرش والاعتداء الجنسي، اللذين يقعان عادة من أشخاص في دائرة قريبة من المجني عليهم، مثل الأطفال أو المعلمين أو المربين.
الخوف من الفضيحة قدمت «الإمارات اليوم» ورقة عمل حول التحديات التي واجهتها في التعاطي مع قضايا التحرش الجنسي بالأطفال، والتي تشمل جنوح أسر الضحايا إلى الإنكار وإخفاء التفاصيل خوفاً من الفضيحة وكيفية كسر هذا الحاجز لديهم وبناء جسر من الثقة معهم، حتى بات هناك نوع من التواصل في كثير من الحالات المهمة. وشملت الورقة انتقال «الإمارات اليوم» من مجرد وسيلة إعلامية تناقش قضايا الأطفال وتطرح همومهم إلى طرف فاعل من خلال حملة «نتوحد من أجلهم» لبناء مركز متكامل للأطفال المتوحدين في ظل تأكيد خبراء دراسات أن المعاقين ذهنياً أكثر عرضة للتحرش الجنسي.
|
وأكد الخبراء في المنتدى الذي عقد تحت عنوان «التحرش الجنسي بالأطفال وخصوصاً المعاقين» ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بشرح مصطلحات وأساليب التحرش الجنسي بالأطفال، بطريقة مبسطة وقريبة لعقولهم، من دون إثارة الخوف والرعب في نفوسهم من المجتمع في ظل جهل كثير منهم لطبيعة ما يتعرضون له من انتهاك جسدي.
وكشفت دراسة عرضها استشاري العلاج النفسي، الدكتور ممدوح مختار، عن أن النسبة الكبرى من عينة من تلاميذ المرحلة الأساسية، الذين تعرضوا للتحرش من الذكور على خلاف المعتاد في دراسات سابقة، و45% من المتحرشين من الأقارب، فضلاً عن أن 60% من ضحايا التحرش والاعتداء الجنسي يتحولون إلى متحرشين، وأن الخادمات يسهمن بنحو 40% من حالات التحرش الجنسي.
وتفصيلاً، قالت مدير عام مركز راشد نائب رئيس اللجنة العليا لجائزة الشيخ راشد للدراسات الإنسانية، مريم عثمان، إن الأسر ترفض اللجوء إلى الجهات المختصة حين يتعرض أحد أطفالها للتحرش الذي ربما يحدث من أقرب المقربين إلى الطفل، مؤكدة أنها جريمة موجودة في كل المجتمعات من دون استثناء، لذا يجب أن تظل الشفافية والصدق الأسلوب الأمثل لمعالجة هذا النوع من المشكلات والأمراض الاجتماعية.
وأضافت أن التحرش الجنسي عموماً لم يتم بحثه والغوص في أسبابه ودوافعه وآثاره حتى الآن، ولايزال الإعلام العربي يتجنب التعمق في تفاصيله بأسلوب علمي تربوي نفسي، وتتعامل الصحافة معه باعتباره قصة ترفع نسبة التوزيع فقط.
وأفاد استشاري العلاج النفسي، الدكتور ممدوح مختار، بأن ثمة دراسة أسهم فيها أخيراً، أجريت على 18 مدرسة في إمارة دبي كشفت عن بعض الحقائق المهمة في هذه القضية، أن ضحايا التحرش من الذكور أكثر من الإناث، لافتاً إلى أن الدراسة ركزت على طلبة التعليم الأساسي من سن ست إلى 12 سنة.
وأضاف أن 45% من المتحرشين بالأطفال من أقارب الأطفال مثل الأعمام أو الأخوال، فضلاً عن أقارب من دراجات متفاوتة، وكذلك الخدم، لافتاً إلى أن نسبة الاكتئاب العادية بين الأطفال تصل إلى نحو 2%، فيما تصل لدى البالغين إلى 5%، لكن حين يتعرض الطفل للتحرش تصل نسبة الاكتئاب لديه إلى نحو 7%، أي أكثر من نسبة الأطفال والبالغين العاديين.
وأكد أن الطفل المعاق يعاني مشكلة بشكل عام من الاندماج في المجتمع، ويحتاج إلى مجهود كبير لاحتوائه، ودفعه إلى الاختلاط بأقرانه الأصحاء، لافتاً إلى أن التحرش بهذا الطفل يقضي على أي أمل في اندماجه، ويزيد من عزلته، وهناك أعراض سيئة للغاية تظهر على الطفل الذي تعرض للتحرش، مثل ميله إلى الانطواء واضطرابه سلوكياً وجنوحه إلى العنف والفزع الليلي، مؤكداً أن معظم المتحرش بهم يتحولون إلى متحرشين حين يكبرون.
إلى ذلك قال مدير إدارة البحوث والدراسات في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، الدكتور سيف راشد الجابري، إن الأم مسؤولة بشكل مباشر عن حماية أطفالها، خصوصاً من أصحاب الإعاقة أو في سن مبكرة، فلا يفترض أن تترك الخادمة تتولى التعامل مع أجساد الأطفال سواء أثناء الاغتسال أو تغيير الملابس، مؤكداً أن الأم تتحمل اللوم الأكبر في حالة انشغالها شلأي سبب عن رعاية أطفالها، محذراً من التعري أمام الأطفال لأن لهم ذاكرة حديدية تخزن كل شيء، ويجب أن يدركوا أن هناك حرمة لأجسادهم.
وأضاف أن من الضروري كذلك تعويد الأطفال الذكور على عدم التشبه في مظهرهم، سواء قص الشعر أو اللبس، بالبنات لأن هذا يؤثر في سلوكياتهم، فتتغير ميول الطفل، كما يجب فرض نوع من الرقابة على الوسائل الإلكترونية التي يستخدمها حتى لا تكون سبباً لمشاهدته مواد مخلة أو أفلاماً إباحية لأنها تكون مقدمة عادة لتعرضه للتحرش أو الاعتداء أو انحرافه سلوكياً.
وأشار إلى أن الأب كذلك يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية في ظل انشغاله طول الوقت بالعمل، ونسيانه أن لديه أبناء يجب أن يقوم بدوره في تربيتهم وتقويم سلوكياتهم، لأنه مهما كانت الأم تؤدي واجبها فإن الأبناء، خصوصاً الذكور، يحتاجون آباءهم.
وأوضح أن الطرف الثالث الذي يهدد كثيراً من البيوت، المربيات لأن بعضهن يتحرشن بالأطفال ويخربن أخلاقهم بطرق مختلفة، وسط غياب كامل من الأهل، مؤكداً أن الأطفال عادة يتعرضون لهذه الجرائم داخل المنزل، لذا من الضروري زيادة الوعي لدى الأسر، لأن هذا يعتبر خط الدفاع الأول.
وأكد الجابري أهمية توعية الأطفال، وتعريفهم بصور التحرش، وتحذيرهم من أن يلمسهم أحد في مناطق محددة في أجسادهم، والتصرف بكل عدائية تجاه كل من يفعل ذلك حتى يستطيع حماية نفسه، لأنه كلما تعود على أن هناك من يلمس جسده سيفقد الشعور بحرمته شيئاً فشيئاً حتى يصبح فريسة سهلة للمنحرفين.
ولاحظ أن هناك أطفالاً يمكثون لأوقات متأخرة في دور السينما والمراكز التجارية، لافتاً إلى أنه لاحظ بنفسه مظاهر غريبة مثل طفلين يربطان يديهما سوياً بسلسلة، على اعتبار أن هذا يزيد من حميمية العلاقة بينهما، معتبراً أن هذا نوع من السلوكيات الخاطئة التي يتجاهلها الأهل للأسف ما يزيد من جنوح الأطفال.
المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، قال إن هناك نصوصاً قانونياً تفصّل صور وأشكال التحرش بالأطفال مثل الملاطفة الجسدية وتصل إلى مجرد عرض صور ومواد إباحية على الطفل، وتصل العقوبة في بعض الحالات إلى الإعدام إذا وصلت إلى الاغتصاب أو المعاشرة الجنسية لطفل يقل عمره عن 14 عاماً.
وأضاف أن أغلبية حالات التحرش تقع من الأهل ومن الدائرة القريبة مثل المدرسين أو الموظفين، لافتاً إلى أن كثيراً من القضايا التي تصل إلى المحاكم يتم الحكم فيها بالبراءة لأن هناك أسراً تحاول ابتزاز المدارس فتدعي تعرض أطفالها للتحرش فضلاً عن أن إثبات الإدانة في مثل هذه الحالات صعب للغاية.
وأشار إلى أن هناك بعض الظواهر السلبية مثل الشذوذ بين الجنسين، لكن هذه الحالات تقع بين أفراد من فئات واحدة، وفيما عدا ذلك تقع بعض الجرائم من فئة العمالة نظراً لما يعانيه هؤلاء من حرمان وانحراف سلوكي يدفعهم إلى التحرش بالأطفال لذا من الضروري عدم اختلاطهم بأفراد المنازل أو السماح لهم بالتعامل مباشرة مع الأطفال.
وذكرت الفنانة المصرية، غادة عبدالرازق، أن السينما المصرية لم تناقش مشكلة التحرش الجنسي بالأطفال، متابعة «حاولت عمل فيلم عن زنا المحارم وممارسة الجنس داخل الأسرة الواحدة، بما في ذلك التحرش بالأطفال، لكن الرقابة رفضت السماح لها بذلك، على اعتبار أنه سيؤدي إلى نشر الفكرة»، مؤكدة أن السكوت عن هذه الجرائم يؤدي إلى تفاقمها وتكرارها.