رأي « الإمارات اليوم »
قطر بين أزمة الصدقية.. وانتهاك «اتفاق الرياض»
تاريخياً، كان التباين حاضراً بين منظومة دول مجلس التعاون، تجاه المواقف السياسية الخارجية، وكان مفهوماً ومحتملاً أن تتقارب دولة مع محور أو تكتل إقليمي، دون الرجوع إلى قاعدة العمل العربي الخليجي، على اعتبار أن لكل دولة سيادتها وتقديرها الخاص، وقراءتها الذاتية للمواقف والأحداث، ولم يكن هذا الأمر سبباً في أزمات وخلافات كبرى، كتلك التي تعصف بمجلس التعاون الآن، إلى أن قررت القيادة القطرية، أخيراً، أن لها مرجعيات أخرى، وأنّها تستطيع لعب دور إقليمي، بدعم التطرف مالياً ومعنوياً، وتمكينه من النيل من جوارها، وأن أحلام «الأدوار الكبرى» تمنحها الحق في دعم قوى ظلامية ومظلمة، لديها «أحلامها الكبرى» أيضاً، في ضرب الأمن الخليجي العربي، وتصديع استقراره، وتحويل دوله إلى كيانات ضعيفة، لا تقوى إلا على إنتاج الفوضى، بعد أن أصبحت نماذج للتنمية والرخاء والحاكمية الرشيدة.
دعم التطرف، وتغذيته بالمال والسياسة، هو السبب الرئيس في أزمة سحب سفراء الإمارات والسعودية والبحرين من الدوحة، وليس أي سبب آخر. أولاً: لأن الأمن شأن بالغ الأهمية لكل دولة، ولمجلس التعاون عموماً، وثانياً: لأن الدعم القطري للتطرف مسّ على نحو مباشر سيادة الدول الثلاث، بحيث لم يعد الصمت مجدياً، فالحوثيون يهدّدون الأمن السعودي، ولا يعترفون بأي شرعية في اليمن، والإمارات عانت قبح التطرف وتنظيماته السرية، واستشهد أحد جنودها قبل أيام، دفاعاً عن أرض البحرين التي باتت مهدّدة أكثر فأكثر من قوى مظلمة وظالمة، مدعومة من دول تنتابها نزعات وأمراض مذهبية، ومن المؤسف أن تُسفك دماء عربية، ولا يتحرك الشقيق العربي المسلم ضد ذلك، ويقرّ أن أدنى خيط يشده إلى أهله وجيرانه هو أقوى وأبقى من أي خيط يشده إلى أي محور خارجي، مهما كان.
• اتفاق الرياض، الذي رفضت قطر توقيع آلية تنفيذه لم يتطرق، لا في بنوده ولا في خلفياته، إلى «الجزيرة»، ولا إلى الموقف من مصر. • دعم قطر للتطرف، وتغذيته بالمال والسياسة، هو السبب الرئيس في أزمة سحب سفراء الإمارات والسعودية والبحرين. |
الإمارات والسعودية والبحرين لم تسحب سفراءها من عاصمة شقيقة، إلا بعد أن أصبح أمنها مهدداً فعلاً، وليس لأن قطر تمتلك قناة «الجزيرة»، وتقف ضد نتائج ثورة يونيو المصرية، التي أطاحت نظام الرئيس محمد مرسي، فـ«الجزيرة» موجودة منذ عام 1996، وكان أكثر ما تتركه بعض معالجاتها عتباً تحتويه مكالمة هاتفية، والشعب المصري اختار طريقه بوضوح، لاسيما بعد الاستفتاء على الدستور، واقتراب استحقاقات المرحلة الانتقالية، ومن الأساسيّ أن أمن مصر واستقرارها أحد الثوابت الرئيسة في أدبيات دول مجلس التعاون ومؤسساته.
وأنْ تتذرع الدوحة بـ«الجزيرة»، وبما يحدث في مصر، وتعتبر ذلك السبب المباشر في سحب السفراء، كما جاء في بيان مجلس الوزراء القطري الأخير، فذلك ليس أكثر من محاولة مؤسفة، وغير موفقة للتذاكي على المعلومات والأحداث والتفاصيل المعلنة والمسكوت عنها في البيت الخليجي. فالحقيقة أن اتفاق الرياض، الذي وقّعه أمير قطر الجديد تميم بن حمد، مع السعودية والكويت، ورفضت الدوحة لاحقاً التوقيع على آلية لتنفيذ بنوده كان ينص على ثلاث نقاط، هي: عدم دعم وتجنيس واستضافة المعارضات الخليجية، والتوقف عن دعم جماعة «الإخوان المسلمين»، إلى جانب التوقف عن دعم أي طرف في اليمن يضرّ بمصالح دول مجلس التعاون.
بهذه الحرفية والدقة والوضوح، كان نصّ اتفاق الرياض، ولم يتطرق، لا في بنوده ولا في خلفياته، إلى «الجزيرة»، ولا إلى الموقف من مصر، وأن يشير بيان مجلس الوزراء القطري إلى غير الاتفاق سبباً في سحب السفراء، فهذا محض إنكار يهدف إلى خلق تعاطف زائف، مع انتهاك الدوحة نفسها اتفاق الرياض، وعدم إثبات أية صدقية في الالتزام به، فدعم الحوثيين مستمر، وعبر قنوات مشبوهة، وغير مفهومة، أما «الإخوان المسلمون»، الذين هدّدوا أمن الإمارات، وتدخلوا في شؤون شرعيتها وسيادتها، فتزداد حظوتهم في البيت القطري الرسمي يوماً إثر آخر، على أسس غير مسبوقة في تقاليد الضيافة العربية وأصولها، فهم يستحوذون على المنابر، ويستخدمونها في الإساءة والتضليل والتحريض على دول الخليج العربية، خصوصاً الإمارات والسعودية.
ليس مفاجئاً أن تسحب ثلاث دول مركزية سفراءها من الدوحة، كما سعى البيان القطري إلى الإشارة له. المفاجئ أن تنتهج قطر المراوغة والباطنية السياسية، بدلاً من الصدقية في العلاقة مع الأشقاء والجيران، فلا تلتزم بأي اتفاق، ودائماً لديها خطاب ليليّ، لا يصمد أمام ضوء النهار.
ومن المعروف أن وزير خارجية قطر السابق، قال للرئيس الليبي السابق معمر القذافي، في تسجيل مسرّب، إن «السعودية لن تكون موجودة بعد 20 عاماً»، وأدى ذلك إلى غضب سعودي دام نحو عقدين، ولم يُفضِ إلى سحب السفير، قبل أن تتغيّر القيادة القطرية، ويعلن الأمير الجديد في اجتماع رسمي، أن «ذلك من الماضي»، ثم يرفض توقيع آلية مكتوبة لتنفيذ اتفاق الرياض، لتتوالى الانتهاكات القطرية للبنود الثلاثة، ووسط ذلك كله غابت أية صدقية لأي التزام، أو سعي لاحتواء أية أزمة، وآخرها أن أمير قطر ردّ على عتب الإمارات تجاه تحريض يوسف القرضاوي، بأن الأخير تعرض للتعنيف والمنع من الخطابة عبر التلفزيون الرسمي، ليعود القرضاوي نفسه بعد أسبوعين، ويزيد في تضليله وكذبه على الإمارات، ويؤكد علانية أنه لم يُمنع، وأن مرضاً ألمّ به، ومنعه من الخطابة جمعة واحدة.
من حق الشعوب العربية الخليجية، وأولها الشعب القطري، أن تعلم أن قرار سحب السفراء كان صعباً على الإمارات والسعودية والبحرين، وأنه ليس أكثر من وسيلة سياسية مشروعة، للاحتجاج على انتهاك قطر الرسميّ للأمن ومبادئ الأخوة والجوار، وأن الأصل أن تسود الثقة والصدقية والمودة علاقات الأشقاء، ومن حقّ الإخوة القطريين أن يعلموا أنْ لا مصلحة لقطر «الرسمية» في استعداء أهلها وجيرانها، وأن التطرف الذي يترعرع في أرض قطر العزيزة، وينالُ من محيطها، ومن تاريخ مشترك، وتراب واحد، لن يتردد يوماً من الأيام في الإساءة إلى المُضيف، بعد أن أساء إلى أخيه وجاره، وبعد أن سال دمٌ عربي عزيز.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news