تركت وظيفتها في «التربية» وأنشأت جمــعية لرعايتهم
الأمومة تغير مسار «الهاشمي» إلى خدمة ذوي «مــتلازمـة داون»
لحظة فارقة غيرت حياة سونيا الهاشمي رأساً على عقب، عاشت فيها مواجهة صعبة بين الموظفة الناجحة صاحبة الطموح اللامحدود، وبين عاطفة الأمومة، فاختارت أمومتها، وفي الوقت ذاته لم تتخلَّ عن دورها المجتمعي.
البداية كانت عندما رزقها الله بطفل من ذوي «متلازمة داون»، حينئذ قررت أن تكافح لتبرهن على أن الأمومة الحقيقية قادرة على مواجهة الصعاب واستثمارها وتحويلها إلى إنجازات، فأنشأت أول جمعية داخل الدولة معنية بذوي «متلازمة داون»، وتركت وظيفتها في وزارة التربية والتعليم، من أجل مواصلة العمل التطوعي وخدمة المجتمع.
تعريف قالت رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات لذوي متلازمة داون، إن تعريف «متلازمة داون» هو خلل في عدد الكروموزومات، فعامة الناس لديهم 46 كروموزوماً، بينما أشخاص «متلازمة داون» لديهم 47 كروموزوماً، وهذا الكروموزوم الزائد يسبب مظاهر خلقية مشابهة تصاحبهم مدى الحياة، ما يؤثر في حالتهم الصحية وقدراتهم ومهاراتهم وهي حالة تحدث في جميع الشعوب والأعراق، وخارجة تماماً عن أيدي البشر، فقديماً كان لا يمكن اكتشافها أبداً إلا بعد الولادة، وحالياً يمكن اكتشافها خلال فترة الحمل في معظم الحالات. |
وتحلم الهاشمي بأن يزداد الاهتمام المجتمعي بهذه الفئة، مؤكدة أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، أوليا اهتماماً كبيراً بفئة ذوي «متلازمة داون»، ما أسهم في شعور الأطفال بالسعادة.
وقالت الهاشمي لـ«الإمارات اليوم» إنها حصلت على بكالوريوس اقتصاد إدارة أعمال من جامعة الإمارات عام 1985، وتولت منصب نائب مدير خدمة الجمهور في وزارة التربية والتعليم، وخلال عملها رزقت بمولودها الأول (سيف ــ 27 عاماً) من ذوي «متلازمة داون»، ما اضطرها إلى ترك العمل للعناية والاهتمام به، والتعرف عن قرب إلى هذه الفئة واكتشاف قدراتها، ومحاولة التعامل الصحيح معها، مضيفة: «فكرت في إنشاء جمعية متخصصة لرعاية حالات ذوي متلازمة داون، حيث لم تكن هناك جهة مختصة برعاية هذه الحالات، وبعد فترة قصيرة استطعت مع عدد من المتطوعين وضع حجر الأساس لإنشاء الجمعية، وحصر أعداد المنتمين إلى هذه الفئة، وتوعية الأسر التي لديها حالات مشابهة وتثقيفها بطرق التعامل معهم».
وأشارت إلى أنها شغلت منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية التي تعد الأولى المعنية بهذا الشأن، فضلاً عن أنها عضو في اللجنة التأسيسية لجائزة الشيخة شمسة بنت سهيل للنساء المبدعات.
وتابعت أنها قدمت الرعاية لابنها، واستطاعت مع مرور الأيام أن تجعله يعتمد على نفسه، ومن ثم يعبر عما في داخله ببساطة، لافتة إلى أن هناك فكرة سائدة لدى الناس بأن ذوي «متلازمة داون» يعانون إعاقة ذهنية وهذه فكرة خاطئة.
وأوضحت الهاشمي: «الإعاقة الذهنية تعني أننا نتحدث عن أشخاص لا يعون العالم، بينما يعي ذوو متلازمة داون تفاصيل العالم تماماً، وبالتالي هم لديهم جزء من التأخر الذهني وليسوا معاقين ذهنياً، لأن التجارب أثبتت قابلية هؤلاء للتعلم والدمج حتى أصبحنا نشاهد مدارس وجمعيات خاصة بهم».
وأضافت أنها دخلت في العمل التطوعي منذ عام 2005، لافتة إلى أنها بعد استقالتها من عملها تفرغت للعمل التطوعي لمساعدة أطفال «متلازمة داون»، واستطاعت جمعية الإمارات لمتلازمة داون، والعديد من المؤسسات الأخرى، إحداث تغيير في نظرة المجتمع لهذه الفئة البعيدة كل البعد عن التخلف العقلي، بل إنها تشمل أطفالاً مبدعين أذكياء أصحاب مواهب عالية وحساسية زائدة، ولا شك في أنهم أسعد أطفال العالم، ويستحقون كل الدعم والرعاية من أفراد المجتمع كافة.
وذكرت أن طفلها أصبح من الأبطال الرياضيين في السباحة، بعد أن كان يخاف من ممارستها، إلا أنها حرصت على الاعتناء به إلى أن استطاع التغلب على مخاوفه، وبعد التدريب المستمر حاز أربع بطولات، وحصل على ميداليات ذهبية وفضية، إضافة إلى حصوله على ميدالية فضية في الأولمبياد العالمي للسباحة في أثينا منذ عامين.
وتابعت الهاشمي أن ذوي «متلازمة داون» بإمكانهم تحقيق إنجازات تفخر بها الدولة حالهم حال الأسوياء، مؤكدة أنها ستبذل قصارى جهدها لمد يد العون لهم والاعتناء بهم وتذليل العقبات التي قد تواجههم.
وقالت: «نعمل على تغيير نظرة المجتمع إلى ذوي متلازمة داون، وقد قطعنا شوطاً طويلاً كي نمحو من ألسنة الناس كلمات تؤذي هذه الفئة، وهي غير واقعية ولا تمت لحقيقة ما يمرون به من ظروف، مثل كلمات: مصابون، يعانون، مرضى، متضررون»، مشيرة إلى أنها تسعى دوماً إلى رسم البسمة على شفاه الأطفال من ذوي «متلازمة داون»، وأن هذا العمل التطوعي تقدمه في الأساس لوطنها الغالي، وترى أن العمل الإنساني التطوعي شيء ينبع من الذات، وعن إيمان حقيقي بقضية ما.
وأضافت أن هدفها أن ترى فئة ذوي «متلازمة داون» يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ويسيرون مع أسرهم في الأماكن العامة وفي مواقع الترفيه والحدائق والمناسبات والاحتفالات، موضحة أن جمعية الإمارات لمتلازمة داون تسير على نهج منظمات كبرى في عمليات التوعية.
وذكرت أن الجمعية شعارها «تحرير القدرات الكامنة»، والإعاقة قدرة وليست عجزاً، لذا نسعى أن نكون من أفضل الجمعيات المماثلة في المنطقة من أجل تحقيق وتمكين هذه الفئة، وإبراز أقصى إمكاناتهم ومهاراتهم، ليصبحوا أعضاء فاعلين ومنتجين في المجتمع، من خلال الأنشطة الاجتماعية والرياضية والتربوية، وأضافت: «نطمح إلى الوصول لأفضل الإنجازات لهذه الفئة محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً». وحصلت الهاشمي على جوائز وشهادات تقدير عدة، وتم تكريمها في أكثر من مناسبة نظراً إلى جهودها وتميزها في الأعمال التطوعية، وقدرتها على الإشراف على العديد من الفعاليات الكبيرة، بمساعدة أعضاء الجمعية الذين يساندونها بقوة في مجال العمل الإنساني، وقد منحتها منظمة السلام الدولي والتنمية لقب سفيرة النوايا الحسنة للطفولة. وللهاشمي ستة أبناء، أكبرهم سيف، يأتي بعده ابنتها الثانية التي تحمل شهادة الماجستير في حقوق الإنسان، وعبدالله الذي درس في الولايات المتحدة، ثم التوأمان أحمد وخالد وهما يدرسان في جامعة أبوظبي وموظفان في «طيران الاتحاد»، وأصغر أبنائها هي نورة ومازالت تدرس.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news