«حكماء المسلمين» يدعو إلى حصار الطائفية والتشدد
دعا حوار مجلس الحكماء المسلمين، وقيادات الطائفة الأسقفية الإنجليكانية، إلى ضرورة ترسيخ ثقافة المواطنة بدلاً من الثقافة الطائفية، والعمل على حصار الفكر الطائفي والنَزعات المتشددة، معتبراً أن أهم التحديات التي يواجهها التعايش بين الحضارات، تتمثل في احتقار الحضارة الغربيّة للحضارات الأخرى.
وأكد مشاركون في الحوار أن الغرب كوّن رؤيته عن الإسلام من الاستشراق، وعبر طرق وانطباعات جاءت إليه من مصادر مشبوهة تتعمد الإساءة.
آليات عمل مستقبلية خرج حوار مجلس حكماء المسلمين مع قادة الطائفة الأسقفية الإنجليكانية، بثماني توصيات، اعتبرها المشاركون آليات عمل مستقبلية، من شأنها تعزيز ثقافة الحوار بين الديانات، وهي: ■ العمل على خلق عالم متفاهم ومتكامل من خلال بناء حوار مجتمعي إسلامي - مسيحي، يكون فيه المجتمع المدني فاعلاً لتجسير الهوة في فهم الآخر. ■ إقامة لقاءات شبابية متبادلة من طلاب الجامعات بين المسلمين والمسيحيين، تتخللها محاضرات تؤكد على التعايش والتسامح. ■ إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية التي تبرز تجارب التعايش التاريخية والمعاصرة، مع بث هذه الأفلام ـ بعد ترجمتها إلى لغات عالمية عدة ـ على الإنترنت ومحطات التلفزيون. ■ بناء برنامج أكاديمي مشترك، مدته خمس سنوات، للبحث في قيم وأسس التعايش والتسامح في الإسلام والمسيحية، يشترك فيه باحثون من الجانبين، ويصدر عدداً من الأبحاث والدراسات التي تترجم إلى اللغات الحية، بما يسهم عملياً في الحوار الإسلامي – المسيحي، مع ربط هذا البرنامج ببرامج الدراسات العليا في الجامعات المعنية. ■ إقامة موقع رقمي للتعريف بكل هذه المبادرات، مع التأكيد على ضرورة إتاحة كل المواد الفيلمية والمؤتمرات والدراسات التي تخدم الهدف السامي الذي يسعى إليه المجتمعون في أبوظبي. ■ دعم المبادرات التي تسعى لتأكيد قيم التسامح والعيش والمشاركة، وعلى رأسها تجربة دولة الإمارات، التي ضمت وزارة للتسامح هي الأولى من نوعها في العالم، وكذلك تجربة بيت العائلة في مصر، الذي استطاع أن يحقق نموذجاً حقيقياً للمواطنة. ■ العمل على نشر ثقافة الحوار في كل الأصعدة، مع التأكيد على احترام عقيدة الآخر على المستويات كافة. ■ الالتزام بالتعاون المشترك لتحقيق الخير العام عبر مكافحة الأمية والفقر والمرض. • «حكماء المسلمين» شدد على تشجيع الخطاب المعتدل الذي يصدر من بعض الباحثين والمفكرين الغربيين. تحديات الوقت الراهن أكد عضو الطائفة الإنجليكانية، القس بولي لابوك، أن هذا الحوار هو إرث غني، وامتداد للعلاقات القوية التي تجمع المسلمين والمسيحيين، مشيراً إلى أن التحديات التي تبرز في الوقت الراهن هي أن العالم يحترق، كما في العراق ودول أخرى عدة. وقال: «إذا لم تتمكن جميع الأطراف من مواجهة بعضها بعضاً، والتعامل مع اختلافاتها بصدق، فإن المعاناة ستكون نصيبها، كما أن العالم كله سيعاني جراء ذلك»، مؤكداً أن المؤتمر الذي تستضيفه أبوظبي للحوار ليس رفاهية، وإنما فرصة يجب انتهازها لئلا تضيع الجهود المبذولة بسبب أشخاص ليس لديهم أي احترام. |
وتفصيلاً، اختتم مجلس حكماء المسلمين، أمس، جلسات الحوار مع قيادات الطائفة الأسقفية الإنجليكانية، الذي استضافته أبوظبي على مدى يومين، بجلسة حملت عنوان «عقبات في طريق الحوار والتعايش، والحلول الممكنة»، أدارها رئيس اللجنة الوطنية المصرية للمتاحف، الدكتور خالد عزب، وشارك فيها الرئيس السوداني الأسبق عضو مجلس حكماء المسلمين، المشير عبدالرحمن سوار الذهب، والقس بولي لابوك، ورئيس مجمع اللغة العربية عضو مجلس حكماء المسلمين، الدكتور حسن الشافعي، والقس توبي هاورث من الطائفة الإنجليكانية.
وأكد سوار الذهب أن العالم يحتاج إلى بوصلة تهديه إلى السلام والتعايش، لأن الحروب الإقليمية والأهلية أودت بحياة الملايين من سكان الأرض، بمختلف معتقداتهم وتوجهاتهم، مشيراً إلى أن مثل هذه الملتقيات تمثّل وسيلة من الوسائل التي تقرّب وتحقق السلام والتعايش بين مكونات العالم.
ولخّص التحديات التي يواجهها الحوار والتعايش بين الحضارات فيما وصفه بـ«احتقار الحضارة الغربيّة للحضارات الأخرى»، وخطأ المنهجية المعرفية لدى الغرب، فضلاً على هيمنة عقلية الصدام، والغلو والتطرف، لافتاً إلى أن الانتقاد الذي يمكن أن يوجه إلى الخطاب الغربي هو الاستعلاء المتعمد الذي يمارسه الغرب، والنظرة الدونية لما سواه من حضارات وأمم.
وقال سوار الذهب «من ضمن المشكلات التي تواجه حوار الإسلام والغرب، خطأ المنهج للحصول على المعرفة، إذ إن كل الطرق التي أخذ منها الغرب تكوين رؤيته عن الإسلام، لم تكن الطرق التي تصل به إلى تشكيل رؤية موضوعية وعلمية عن الإسلام، لكونه يأخذ من الاستشراق الذي له أهدافه المعروفة، ثم أجهزة الإعلام وإثاراتها المعهودة، وغير ذلك من الطرق الملتوية التي يتخذها الغرب لمعرفة الإسلام، فتأتي حصيلة ما عرفه عن الإسلام كلها لا تعدو سوى انطباعات جاءت إليه من مصادر مشبوهة، تتعمد الإساءة».
وشدد على ضرورة تشجيع الخطاب المعتدل، الذي يصدر من بعض الباحثين والمفكرين الغربيين، والذين غالباً ما تكون نواياهم صادقة، وبذات القدر على الخطاب الإسلامي، موضحاً أهمية أن يكون الحوار مع الغرب حواراً شاملاً على كل جوانب الحياة، كما أنه لابد من تهيئة كل الثغور بالحوار الصحافي والإعلامي والدبلوماسي والعلمي والسياسي والاقتصادي والفني، لتحقيق التقارب بين الأديان، وبالتالي بين الشعوب.
من جانبه، قال عضو الطائفة الإنجليكانية، الدكتور توبي هاورث، إن الأديان السماوية تتقاسم نقاطاً مشتركة، وأن التاريخ يبيّن أن أكثر الناس قوة هم من تكون حياتهم مبنية على الإيمان، إضافة إلى أنهم يعيشون حياة أطول، ويصمدون أكثر في وجه النظام، ويتقاسمون ما يتمتعون به من مزايا مع الآخرين.
ولفت إلى أن الأنظمة الاستبدادية في العالم تنظر إلى المؤمنين على أنهم خطر يتهدد وجودها، لأنهم أكثر قدرة على الصمود والازدهار، بسبب إيمانهم الذي يعطيهم رؤية أفضل للعالم، حتى في الأوقات التي يفقدون فيها الأمل، مشدداً على أنه يجب العمل والتركيز على قضايا مهمة، يأتي في مقدمتها أن لا يعيش الناس من مختلف الديانات حرباً مع بعضهم بعضاً، كي لا يذهب تعاونهم وقوتهم أدراج الرياح.
وأشار إلى أنه استناداً لمعطيات التاريخ، فإن هناك مشكلات بارزة عدة، تؤثر في التعايش الإيجابي، أولها اعتقاد كل ديانة أنها وحدها تمتلك الحقيقة، وأن على الجميع اتباعها، وبالتالي فإن الفشل في التعايش يجعل من الحوار أمراً صعباً، وثانيها «تسييس الإيمان»، الذي يقف حجر عثرة أمام ازدهار التعايش والحوار بين الأديان.
فيما تحدث رئيس مجلس مجمع اللغة العربية عضو مجلس حكماء المسلمين، الدكتور حسن الشافعي، عن العقبات التي تقف أمام الحوار الديني بين المسلمين والمسيحيين، قائلاً: «لقد عاش المسلمون والمسيحيون، واليهود أيضاً، في بلاد العالم العربي والإسلامي، قروناً عدة، في إخاء ووئام وتضامن، قد تحدث بينهم أحداث غير إيجابية، لكن قوة العلاقة، وأسس التضامن، ومناخ التفاهم، تتكفل بتجاوزها واستيعابها، وبقاء التضامن الاجتماعي سليماً في جملته».
وأشار إلى أن أول العوامل التي أثَّرت في استقرار التضامن والعيش المشترك، كانت غلبة ثقافة التكفير والتصرف الطائفي على عدد من المناطق والبلدان، وهو أمر لا يقتصر على جانب دون آخر، ما نتج عنه تسييس بعض المشكلات، وتباعد كتل الشباب في الجانبين، لينمو نوع من مشاعر التوجس، بدلاً من التضافر والتشارك الذي يذكي التفاهم والثقة.
وأضاف الشافعي: «في العقود الأخيرة اتجه العديد من إخواننا من نصارى الشرق، إلى ضرب من الهجرة الجماعية، في تطور خطر، يهدد حضارتنا المشتركة، وصورة الحياة ونمطها في منطقتنا، وذلك نتيجة التوابع التي ترتبت على حرب العراق، وما يسمى بحرب الإرهاب، ثم إشاعة الفوضى الخلاقة، وجميعها أمور أدت إلى زيادة المخاطر التي تهدد الجميع في واقع الأمر، لكن سياسات الهجرة الغربية فتحت الأبواب للنصارى، ونشأ من عوامل الطرد المحلية، وعوامل الإغراء الخارجية، ما سميته الهجرة شبه الجماعية للمسيحيين الشرقيين، وهو خسارة كبرى للمجتمعات العربية».
ودعا إلى ترسيخ ثقافة المواطنة بدلاً من الثقافة الطائفية، وحصار الفكر الطائفي والنَزعات المتشددة، أياً كان مصدرها، وفي أي جانب تكون، واستعادة التاريخ الوطني والحضاري المشترك، في مواجهة الاحتلال والتخلف، ومن أهم الأمور تقريب الشباب من الجانبين، في مناخ حر، للعمل الوطني المشترك، الذي ينمي مشاعر التفاهم والثقة، والولاء للمجتمع الواحد.