«الطريق إلى الجنة» كلمة السر في عمليات تجنيد المراهقين والأطفال
الحمادي: شاركت في لقاءات «المزارع والصحراء» بعد قسم «تسليم المخ» لـ «الإخوان»
جمال الحمادي، مواطن إماراتي، استقطبته جماعة الإخوان بشعارات دينية في عُمر المراهقة، حتى أعلن ولاءه لقياداتها، وأدى قسم السمع والطاعة للجماعة، الذي يعد بمثابة تسليم المخ للجماعة، وبعدها كان يحضر لقاءات في المزارع والصحراء داخل الدولة مع قيادات للجماعة في الخارج.
بمرور الوقت بدأت تتكشف الحقائق أمام عينيه، لاسيما حين دفعت الجماعة بالشباب ليشاركوا ضمن صفوف تنظيم القاعدة في معارك في أفغانستان والصومال بزعم «الجهاد»، ليقتل بعضهم، كما تيقن أن قرار قياداتها داخل الدولة بأيدي قيادات أخرى خارجها.
ولمس بنفسه أن أعضاء الجماعة كانوا دوماً يحرّضون الشباب بأسلوب مبطن على انتقاد الحكومة، وسياساتها، ويحثونهم على الاعتراض والعصيان ليبثوا الفتن في صفوف الوطن، وهي أمور دفعته وغيره ليفيقوا من غفلتهم، ويتأكدوا أنها جماعة كاذبة، هدفها الاستيلاء على الأوطان، واتخذوا قرار الانفصال عنها من دون رجعة، لينجوا من أفكارها وفتنتها وجحيمها.
«الإمارات اليوم» تواصل سلسلة حواراتها مع أعضاء سابقين في جماعة «الإخوان»، ممن أمضوا سنوات طويلة خاضعين لأفكارها الهدامة.
بدأ تجنيد الحمادي لمصلحة الجماعة، وفق ما قال خلال مقابلة مع «الإمارات اليوم»، في ثمانينات القرن الماضي، حين كان طالباً في المرحلة الثانوية، وقتها كانت الجماعة متوغلة في مؤسسات معنية بالنشاط الشبابي، وكانت أذرعها منتشرة في مراكز تحفيظ القرآن والمساجد والمدارس لاصطياد العناصر التي يمكن أن تدين لها بالولاء.
ونجحت الجماعة في الوصول بعناصرها إلى مراكز قيادية في بعض الجهات الحكومية، ما ساعدها على استقدام عناصر موالية من دول عربية لتتولى تجنيد الأطفال والمراهقين والشباب. كما عملت عناصر قيادية في الجماعة على تعيين وعاظ للمساجد ومعلمين تابعين لها، ليتولوا إجراء عملية غسيل المخ للشباب تحت شعارات دينية.
وروى الحمادي، المنشق عن الجماعة، أن معلمي المدارس من أعضاء الجماعة كانوا يسيطرون على الأنشطة الترفيهية والرياضية والمسرح والإذاعة المدرسية، ليبثوا من خلالها أفكارهم في عقول الصغار.
ستار مؤسسي
وحول الستار الذي كانت تتخفى وراءه «الإخوان»، يقول الحمادي: «كانت الجماعة تتخفى خلف جمعية الإصلاح (المقر الرئيس للجماعة في الدولة)، التي بسببها ظن أولياء الأمور أن هناك إطاراً قانونياً يحكم عملها، ومنحوها الثقة المطلقة لتربية أبنائهم، وتأهيلهم فكرياً، خصوصا أنها ترفع شعار الدين».
وروى أن الجماعة كانت تبدأ رحلة تجنيد الطفل بأفكار تربوية ودينية، وتتدرج معهم بتوجيههم لقراءة مؤلفات للجماعة تغذيهم بمنهجها باعتباره الطريق إلى الإسلام الصحيح، على خلاف الحقيقة.
لا أعلم
• «الإخوان» استقدمت عناصرها من دول عربية لتجنيد المراهقين والشباب في المدارس والمساجد. • «الجماعة» طلبت من أعضائها عدم التواصل بالهواتف بعد أحداث 11 سبتمبر. |
وحين سألْنا الحمادي عن الوقت الذي علم فيه أنه اصبح عنصراً في الإخوان، رد: «حقاً لا أعلم كيف أصبحت عضواً في الجماعة، هم يجروننا لأفكارهم بالتدريج، ويغذون عقولنا بقيم الولاء للجماعة، ليكتشف الشخص فجأة أنه صار تابعاً لها، ويسير خلف قياداتها من دون إدراك».
لكن الحمادي يؤكد أن «كلمة السر التي تزرعها الجماعة في عقول المراهقين والشباب وتجعلهم لا يحكّمون عقولهم، أنها الطريق الذي يقودهم إلى الجنة، والطرق الأخرى، حتى لو كانت لجماعات إسلامية أخرى، هي طرق ناقصة».
وكشف الحمادي أن «الفترة التي كشفت فيها الجماعة عن كيانها في الإمارات، كان حين تعرضت دولة الكويت للغزو العراقي، مطلع التسعينات، في ذلك الوقت جاء عدد كبير من أعضاء الجماعة من الكويت إلى الإمارات، ونظموا محاضرات وندوات كبرى تحدث فيها رموز من قيادات الجماعة، بينهم نائب مرشد الإخوان، مصطفى مشهور، وفي هذا الوقت تحديداً أصبح طرح اسم (جماعة الإخوان) مباشراً وعلنياً، لكنها كانت تتستر خلف الشعارات الدينية لتستمر في استقطاب الشباب».
معارض الكتاب
ومن الأساليب التي استخدمتها الجماعة في نشر أفكارها ـ والكلام مازال على لسان الحمادي ـ الوجود المستمر بمعارض الكتاب الرسمية في الدولة، وتوزيع إصداراتها على الشباب، وتوزيع أشرطة الكاسيت التي يتحدث فيها رموز الجماعة مروجين لمنهج «الإخوان» بأسلوب مبطن.
وكانت جماعة الإصلاح تنظم موسماً ثقافياً كل بضعة أسابيع، تعرض فيه كتب الجماعة، وتنظم ندوات لقياداتها لتثبت فكر ووجود الإخوان في المجتمع وتزيد قاعدته.
نشاط مسلح
وتابع الحمادي: «تجري الجماعة عملية غسيل مخ ممنهج للشاب وتتيقن من ولائه لها، وتأخذه لمرحلة البيعة والعهد، ليعلن كل شاب السمع والطاعة لقيادات الجماعة، لتبدأ مرحلة أن يكون هذا الشاب ذراعاً لاستقطاب آخرين، ثم يترقى لدرجات أعلى».
وحول ما إذا كان للجماعة نشاط مسلح، قال «في الثمانينات كان القيادي الإخواني، عبدالله عزام، يطوف الدول لجمع تبرعات لمصلحة الجهاد في أفغانستان، وتجنيد الشباب للسفر، وكان كل شاب يعلن البيعة للجماعة لابد أن يسافر لمعسكر تدريبي في أفغانستان، وحينها سافر عدد من الشباب إلى هناك وخاضوا معارك، وبعد أن ظهر تنظيم القاعدة من تحت عباءة (الإخوان)، انضموا إليه، وسافروا لتنفيذ عمليات في الصومال وقُتلوا».
وتابع «كان تنظيم القاعدة يسجل لكل شاب رسالة صوتية قبل سفره يتحدث فيها عن الشهادة، وبعد مقتله يوزع هذه الشرائط بين أهله ومنطقته، وتظهره في صورة البطل، لتكون حافزا لغيره لينضم لصفوف التنظيمات المتطرفة».
مرحلة العطاء
وعن الدور الذي طلبته الجماعة منه، قال الحمادي «بعد أن قدمت العهد لقيادات التنظيم في فترة الجامعة، بدأت مرحلة يسمونها (مرحلة العطاء)، وخلالها أعمل على استقطاب شباب من الجامعة والأقارب لفكر (الإخوان) وتدريبهم على منهج التنظيم، ثم ننتقل لعقد ما يسمى بـ(اللقاء الأسري) الذي يضم 10 أعضاء على الأكثر لمناقشة خطط الجماعة».
وكان التنظيم يجمع أعضاء الأسر بسرّية في المزارع صيفاً، وفي الصحراء شتاء، ليحضروا جلسات لقيادات إخوانية من الخارج.
تحريض الشباب
وينتقل الحمادي لعام 1995، وهو العام الذي أغلقت فيه الدولة جمعية الإصلاح، ما سحب البساط المؤسسي من التنظيم في الإمارات، في هذا العام اتجهت الجماعة لاختراق مؤسسات إعلامية، وزرع عناصر في هيئات عدة لتضمن استمرار نشاطها.
وانتقلت الجماعة إلى تحريض الشباب بشكل مبطن، للاعتراض على الأوضاع في الدولة، واعتبار ما تتخذه الحكومة من قرارات أمراً خاطئاً.
ويكمل «كانوا دوماً يقنعون الشباب بأن ما تطرحه الجماعة من أفكار وحلول، هو الأصوب».
فصيل سياسي
وعن نقطة التحول التي دفعت الحمادي إلى الانفصال عن الجماعة والنجاة من جحيمها، قال: «بدأت عندما تعرضت الجماعة لهجوم من الجماعات السلفية، وانتقادات لمنهجها، فاضطر تنظيم الإخوان للرد، وشرح بعض أفكاره التي أظهرت أنه فصيل سياسي وليس دعوياً، وأنه أقرب للحزب منه إلى الجماعة الدينية، وهنا بدأنا نتحدث مع القيادات عن هذه الأفكار، فكانت تأتينا الإجابة بأن الجماعة بدأت تحقق مكاسب سياسية في الدول العربية، ووصلت للبرلمان في مصر، ويجب أن يكون لأعضائها نشاط سياسي في الدولة».
وزاد «بعد أحداث سبتمبر 2001، تم إلقاء القبض على أعضاء تنظيم القاعدة في الدولة، ووقتها كان قياديو الجماعة يطلبون من الأعضاء العمل بسرية وحذر، والابتعاد عن استخدام الهواتف، وكان أكثر ما يثير تساؤل الشباب، لماذا لم تعلن (الإخوان) رفضها لممارسات (القاعدة)؟ ولماذا التزمت الصمت؟ ما يعني أنها كانت راضية عن هذا الفكر الإرهابي».
قرارهم من الخارج
وبعد وقت قليل طلبت الدولة من أعضاء «الإخوان» أن يتوقفوا عن نشاطهم في الإمارات، لكن قوبل طلب الدولة بالرفض، معلنين أن قرارهم ليس بأيديهم بل يأتي من الخارج، وهو الأمر الذي جعل كثيراً من الشباب يدرك أن قيادات الجماعة في الدولة تدين بالولاء لجهات خارجية، وليس لدولتها، وهي النقطة التي كانت بمثابة جرس الإنذار للكثيرين ليفيقوا من غفلتهم وانصياعهم خلف الجماعة من دون إدراك. ويمضي جمال الحمادي بالقول: «في ذلك الوقت، وتحديداً منذ عام 2001، انفصلت كلياً عن الجماعة وأفكارها، لكنّ أعضاءها حاصروني، وطالبوني بالعودة والاستمرار معهم في منهجهم الصحيح، وفق قولهم، لكني ابتعدت، وقررت الانتقال للإقامة في مدينة أخرى لأتقي ضغوطهم». وينصح الحمادي الشباب والأطفال، بالابتعاد عن الأفراد الذين يجرونهم لأفكار تحريضية، ويحيطونهم باجتماعات سرية هدفها المعلن أمور دينية واجتماعية، وهي في الحقيقة تدفع للسخط والتحريض على الواقع.
وشدد على ضرورة غرس حب الوطن والولاء للقيادة منذ الصغر من خلال البيت والمدرسة والمؤسسات الشبابية حتى يكون السياج الواقي من أي اختراق تخريبي عبر الحديث المباشر أو وسائل التواصل الإلكترونية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news