القراءات الانتقائية وراء إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام

ناقش ثلاثة مفكرين في ثلاث جلسات أقيمت ضمن فعاليات القمة العالمية للحكومات 2017، في دبي، أمس، مفهومَي التطرف والإرهاب، والعوامل التي تساعد على تكوّنهما، مؤكدين أن هناك جهات وأشخاصاً يستغلون المغالاة لدى الشباب، ويعملون على تغذيتها ورعايتها، لتحقيق مصالح ذاتية. كما أكدوا خطورة الدور الذي لعبته القراءات الانتقائية والتأويلات، باعتبارها السبب الأساسي وراء إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام.

وتفصيلاً، أكد المفكر السعودي، إبراهيم البليهي، أن إشكالية المجتمعات العربية أنها خالفت بقية مجتمعات العالم المتحضر في تطبيقها لآليات التغيير والتطور، والتصقت بأفكار قديمة، الأمر الذي أسهم في استمرار تخلفها وجمودها، موضحاً أنها «تبني منظومتها التعليمية على تثبيت الأفكار المجتمعية القديمة لديها، وتضيف إليها بعض العلوم الحديثة، لذا يخرج الأشخاص متطابقين في تعاطيهم مع الأمور المجتمعية، فيما يختلف الأمر بالنسبة لهم في الأمور الوظيفية التي يستغلون فيها ما تلقوه من علوم حديثة، إذ إنها تبقى ملفات خارج العقل، أي للاستخدام الوظيفي فحسب، ما يستحيل معه تحقيق التغيير والتطور».

وقال البليهي في جلسة «صناعة الجهل» إن «الدول العربية يجب أن تعيد النظر بالكامل في منظومتها التعليمية حتى تتمكن من التحضر»، مشيراً إلى أن «الإمارات كانت سباقة في هذا المجال، إذ تبنت اتجاهاً رائعاً في تعليم نبذ الكراهية والعنصرية والتطرف، وخلق مفاهيم التسامح، ما ساعدها حالياً على بلوغ المكانة التي وصلت إليها».

وأكد أن الأصل في الإنسان هو الجهل، وأن المعلومات التي تصل إلى ذهنه أولاً تشكل قناعاته وأحكامه، لذا يجب أن تبدأ منظومة التعليم والتغيير منذ اللحظات الأولى، محذراً من خطورة أدلجة الفكر والاعتماد على تثبيت الهوية القديمة والمندثرة للمجتمعات.

من جانبه، رفض الكاتب والمحلل السياسي السعودي، عبدالله العتيبي، اعتبار الإرهاب ردّ فعل على الاستبداد السياسي أو الفقر، مؤكداً أنه صناعة أيديولوجية متكاملة.

وقال خلال جلسة «صناعة السخط والتطرف»، إن «الفقر والاستبداد من العناصر الداعمة للإرهاب، ولكنهما ليسا الأساس»، محدداً ثلاثة إجراءات يتعين على الحكومات اتخاذها للقضاء على الإرهاب والتطرف، هي: وضع استراتيجية شاملة لتطوير الخطاب الديني، وإنشاء منظومة تشريعية متكاملة، وقطع سبل التمويل المالي عن الجماعات المتطرفة.

وربط العتيبي بين القراءات الانتقائية والتأويلات للتراث الديني، وبين التصاق مفهوم التطرف والإرهاب بالدين الإسلامي في الفترة الحالية والعقود الماضية.

وقال إن «التطرف بشكل عام لا يرتبط بأيديولوجية دينية أو مجتمعية بعينها، بل يعتمد على الغاية التي تسعى لها كل جماعة متطرفة، لذا ظهر التطرف في ديانات وحضارات عدة، اعتمد فيها جميعها على تأويلات محرفة لخدمة أهداف محددة».

وفرّق العتيبي بين مفهومَي التطرف والإرهاب، شارحاً أن «التطرف هو المغالاة في توجه معين، عاطفي أو اجتماعي أو أيديولوجي، أما مفهوم الإرهاب فيركز على استغلال هذا التطرف، وتوظيفه في خدمة أهداف معينة، عبر شحن هذه المغالاة وتغذيتها بالكراهية للآخر، وضرورة القضاء عليه، للوصول إلى الصورة الصحيحة - من وجهة نظره - للمجتمع القويم».

وأوضح أن صناعة السخط ظهرت بشكلها الحديث عبر خطابات جماعات الإسلام السياسي، التي بدأتها جماعة الإخوان المسلمين في بداية القرن الماضي، واعتمدت على خلق مفهوم «المسلم المُستفَز الغاضب» الذي يتم اللعب على عاطفته الدينية لشحنه ضد بقية المجتمع، وظهر هذا واضحاً في كتابات وخطابات حسن البنا، وسيد قطب من بعده، الذي يعد أول من أنشأ مفهوم «صناعة السخط».

وحدد العتيبي مصادر التطرف الفكري الرئيسة في العالم الإسلامي بثلاثة أشخاص، هم: السلطان عبدالحميد (الدولة العثمانية)، إذ كان مولعاً بتأسيس الجماعات والمنظمات الاستخباراتية التي خلقت لها فكراً وعقيدة وتوجهاً ساعدت على التطرف، وأبوالأعلى المودوي (المفكر الإسلامي الهندي) الذي ركز على ضرورة استخدام العنف في تطهير المجتمعات وبنائها بشكل صحيح، وجمال الدين الأفغاني (المفكر المصري) الذي انتهج تلاميذه، من سنة وشيعة، فكراً متشدداً يعتمد على العنف في تقويم المجتمع.

وأشار إلى أن الخطوة الثانية في تأسيس الإرهاب بالمجتمع هي صناعة الإحباط، عبر الهجوم على كل ما تصنعه الحكومات من خطط ومشروعات، وإظهارها بشكل سيئ، حتى تقابلها زيادة مشروعية الجماعة. أما الخطوة الثالثة فهي صناعة العنف عبر تأسيس فرق جوالة، تخضع لتدريبات عسكرية من أجل إعداد فرق قادرة على تنفيذ الاغتيالات، وهو ما طبقته جماعة الإخوان المسلمين.

وأكد العتيبي أن هذه الخطوات لحقتها، أخيراً، خطوة أخيرة، هي عولمة التطرف والإرهاب عبر استغلال المنتجات التكنولوجية الحديثة لخدمة أغراض الجماعات، وهو ما تطبقه «داعش» حالياً.

وبدوره، رفض أستاذ علم النفس في جامعة ماريلاند، الدكتور آري كروغلانسكي، اعتبار المتطرفين والإرهابيين «مرضى نفسيين أو عقليين كما تعتقد أو تردد قطاعات عدة في المجتمعات»، مؤكداً أنه «حالة من الانحراف السلوكي، أو الجنون المؤقت، تدفع صاحبها للمغالاة في اتجاه معين، معتمدة على بروز إحدى الحاجات الرئيسة لديه».

وأوضح أن «حياة الإنسان تُبنى على خمس حاجات فكرية ومعنوية رئيسة، تشمل: الشعور بالأمان، والقدرة على العيش، والحب، وتحقيق الذات، وأخيرا الشعور بالاحترام».

وتابع أن «زيادة الحاجة إلى تحقيق الذات واكتساب الاحترام، تدفع صاحبها للتطرف في ممارسات غريبة وخطرة، وكذلك الأمر بالنسبة للإرهابي فهو شخص فقد الاهتمام والشعور بالأمان، أو القدرة على العيش، فبدأ سلوكه بالتطرف والمغالاة في عداء المجتمع، ما جعله مستعداً للقتل».

الأكثر مشاركة